الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم [ ص: 130 ] شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا فيهم قولان: أحدهما: أنهم الكفار الذين يستهزئون بآيات الله إذا سمعوها ، قاله علي بن عيسى. والثاني: أنه ليس قوم لهم عيد يلهون فيه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أعيادهم صلاة وتكبير وبر وخير ، قاله الفراء . وغرتهم الحياة الدنيا يحتمل وجهين: أحدهما: معناه وغرتهم الحياة الدنيا بالسلامة فيها ، ونيل المطلوب منها. والثاني: معناه وغرتهم الدنيا بالحياة والسلامة منها ، فيكون الغرور على الوجه الأول بالحياة ، وعلى الثاني بالدنيا. وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت قيل معناه أن لا تبسل كما قال تعالى: يبين الله لكم أن تضلوا [النساء: 176] بمعنى أن لا تضلوا. وفي قوله: أن تبسل ستة أوجه: أحدها: أن تسلم ، قاله الحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، والسدي . والثاني: أن تحبس ، قاله قتادة . والثالث: أن تفضح ، قاله ابن عباس . والرابع: أن تؤخذ بما كسبت ، قاله ابن زيد . والخامس: أن تجزى ، قاله الكلبي . والسادس: أن ترتهن ، قاله الفراء ، من قولهم أسد باسل لأن فريسته مرتهنة معه لا تفلت منه ، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي: [ ص: 131 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وإبسالي بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق



                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: بعوناه أي جنيناه ، وأصل الإبسال التحريم من قولهم: شراب بسل أي حرام ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        بكرت تلومك بعد وهن في الندى     بسل عليك ملامتي وعتابي



                                                                                                                                                                                                                                        أي حرام عليك. وفي قوله تعالى: وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها تأويلان: أحدهما: معناه وإن تفد كل فدية من جهة المال والثروة ، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد . والثاني: من جهة الإسلام والتوبة ، قاله الحسن . واختلف في نسخها على قولين: أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] قاله قتادة . والثاني: أنها ثابتة على جهة التهديد كقوله تعالى: ذرني ومن خلقت وحيدا [المدثر: 11] ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية