الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4568 باب في خير دور الأنصار

                                                                                                                              وأورده النووي، في (الباب الماضي).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي، ص 70 ج16، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي الزناد، قال: شهد أبو سلمة، لسمع أبا أسيد الأنصاري يشهد؛ [ ص: 660 ] أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "خير دور الأنصار: بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة. وفي كل دور الأنصار خير".

                                                                                                                              قال أبو سلمة: قال أبو أسيد: أتهم أنا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟!

                                                                                                                              لو كنت كاذبا لبدأت بقومي "بني ساعدة". وبلغ ذلك سعد بن عبادة، فوجد في نفسه، وقال: خلفنا؛ فكنا آخر الأربع! أسرجوا لي حماري، آت رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وكلمه ابن أخيه "سهل" فقال: أتذهب لترد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلم. أوليس حسبك: أن تكون رابع أربع؟ فرجع، وقال: الله ورسوله أعلم. وأمر بحماره فحل عنه).


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي أسيد الأنصاري) بضم الهمزة، وفتح السين، على المشهور: "مالك بن ربيعة الساعدي".

                                                                                                                              وحكى عياض عن ابن مهدي: فتحها. وهو شاذ ضعيف.

                                                                                                                              (يشهد أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: خير دور الأنصار) أي: خير قبائلهم، وكانت كل قبيلة منهم تسكن محلة. فسميت تلك المحلة: "دار بني فلان" ولهذا جاء في كثير من [ ص: 661 ] الروايات: "بنو فلان" من غير ذكر الدار. فهو من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، أو خيريتها بسبب خيرية أهلها.

                                                                                                                              (بنو النجار) : بفتح النون وتشديد الجيم، وهو "تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج".

                                                                                                                              وسمي "النجار" لأنه اختتن بقدوم. وقيل: بل نجر وجه رجل بقدوم.

                                                                                                                              (ثم بنو عبد الأشهل) بفتح الهمزة: "ابن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصغر، ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن الحارثة".

                                                                                                                              (ثم بنو الحارث بن خزرج. ثم بنو ساعدة) بن كعب بن الخزرج الأكبر، "وهو أخو الأوس" وهما ابنا "حارثة بن ثعلبة العنقاء" لطول عنقه. من ولد "غسان بن الأزد" وهو من نسل: "يعرب بن يقطن" وهو "قحطان". وهو أبو اليمن كلها.

                                                                                                                              ومنهم من ينسبه إلى إسماعيل، وهذا قول الكلبي.

                                                                                                                              ومنهم من ينسبه إلى غيره، ويوصله إلى "نوح عليه السلام".

                                                                                                                              فعلى الأول: العرب كلها "من ولد إسماعيل عليه السلام". وعلى الثاني: من ولد غيره.

                                                                                                                              [ ص: 662 ]

                                                                                                                              (وفي كل دور الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه. فخير الأولى بمعنى "أفعل التفضيل". وهذه اسم.

                                                                                                                              (قال أبو سلمة: قال أبو أسيد: أتهم أنا على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؟! لو كنت كاذبا لبدأت بقومي: "بني ساعدة" وبلغ ذلك سعد بن عبادة، فوجد في نفسه، وقال: خلفنا، فكنا آخر الأربع! أسرجوا لي حماري، آت رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم).

                                                                                                                              أي: أخرنا، فجعلنا آخر الناس. وإنما قال ذلك؛ لأنه من بني ساعدة، ولم يذكرها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: إلا بكلمة "ثم" بعد ذكر القبائل الثلاث.

                                                                                                                              (فكلمه ابن أخي سهل، فقال: أتذهب لترد على رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؟ ورسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، أعلم. أوليس حسبك أن تكون رابع أربع؟ فرجع، وقال: الله ورسوله أعلم. وأمر بحماره فحل عنه).

                                                                                                                              وفي حديث "أبي محمد الساعدي" عند البخاري: "أدرك سعد [ ص: 663 ] النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! خير دور الأنصار، فجعلنا آخرا. فقال: "أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟".

                                                                                                                              قال النووي "رحمه الله": قال العلماء: وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام، ومآثرهم فيه.

                                                                                                                              قال: وفي هذا دليل لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى، ولا يكون هذا غيبة.




                                                                                                                              الخدمات العلمية