الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وعلته القدر والجنس ) أي علة الربا أي وجوب المساواة التي يلزم عند فوتها الربا هكذا فسره السغناقي في شرح الأخسيكثي في الأصول ، وذكره في الكافي سؤالا وجوابا ، وفي فتح القدير أي علة تحريم الزيادة . ا هـ .

                                                                                        وفي المعراج أي علة حرمة الربا ووجوب المساواة والعلة في اللغة المرض الشاغل ، والجمع علل ، وأعله الله فهو معلول ، واعتل إذا مرض ، واعتل إذا تمسك بحجة ، وأعله بكلمة جعله ذا علة ، ومنه إعلالات الفقهاء ، واعتلالهم . ا هـ .

                                                                                        وأما في الأصول فقالوا إنها في اللغة هي المغير ، ومنه سمي المرض علة لأنه بحلوله يتغير حال المحل عن وصف القوة إلى وصف الضعف ، ولذا سمي الجرح علة لأنه بحلوله بالمجروح يتغير حكم الحال ، وفي الاصطلاح ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة فخرج الشرط لأنه لا يضاف إليه ثبوته [ ص: 138 ] والسبب ، والعلامة ، وعلة العلة لأنها بالواسطة ، وهذا التعريف شامل للعلل الموضوعة كالبيع ، والنكاح . ا هـ .

                                                                                        وللمستنبطة كالعلل المؤثرة في القياسات ، والمراد بالقدر الكيل في المكيل ، والوزن في الموزون فانحصر المعرف للحكم فيهما ، والتعبير بالقدر أخصر لكنه يشمل ما ليس بصحيح إذ يشمل الذرع والعد ، وليسا من أموال الربا كذا في فتح القدير ، ولكن بعدما وضعوا القدر بإزاء الكيل والوزن كيف يشمل غيرهما .

                                                                                        والجنس في اللغة الضرب من كل شيء ، والجمع أجناس ، وهو أعم من النوع فالحيوان جنس ، والإنسان نوع ، وحكي عن الخليل هذا يجانس هذا أي يشاكله ، ونص عليه في التهذيب أيضا ، وعن بعضهم فلان لا يجانس الناس إذا لم يكن له تمييز ولا عقل ، والأصمعي ينكر هذين الاستعمالين ، ويقول هو كلام المولدين ، وليس بعربي كذا في المصباح ، وفي فتح القدير ، واختلاف الجنس يعرف باختلاف الاسم الخاص واختلاف المقصود فالحنطة والشعير جنسان عندنا لأن إفراد كل منهما في الحديث يدل على ذلك ، والثوب الهروي والمروي بسكون الراء جنسان لاختلاف الصنعة وقيام الثوب بها ، وكذا المروي المنسوج ببغداد ، وخراسان ، واللبد اللامتي والطالقاني ، والتمر كله جنس واحد ، والحديد ، والرصاص ، والشبه أجناس ، وكذا غزل الصوف والشعر ، واللحم الضاني والمعزي ، والبقري ، والألية ، واللحم ، وشحم البطن أجناس ، ودهن البنفسج ، والخيري جنسان ، والأدهان المختلفة أصولها أجناس ، ولا يجوز بيع رطل زيت غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب لأن الطيب زيادة . ا هـ .

                                                                                        وفي المعراج القدر عبارة عن العيار ، والجنس عبارة عن مشاكلة المعاني . ا هـ .

                                                                                        والأصل في هذا الباب الحديث المشهور ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، والذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد } ، وفيه روايتان بالرفع الحنطة أي بيع الحنطة مثل ، وينصب على الحال ، وكذلك روي الرفع والنصب في يدا بيد فالرفع عطف على الخبر أي مثل ، ومقبوضة ، والنصب على الحال بتأويله بالمشتق أي متناجزين .

                                                                                        وهذا الحديث لشهرته ظن بعض العلماء أنه متواتر ، وليس كذلك لأنه لا يصدق عليه حده ، وقال الجصاص إنه يقرب من المتواتر لكثرة رواته ، وهو مروي عن ستة عشر صحابيا عمر ، وعبادة بن الصامت ، وأبو سعيد الخدري ، وسارية بن أبي سفيان ، وبلال ، وأبو هريرة ، ومعمر بن عبد الله ، وأبو بكر ، وعثمان ، وهشام بن عامر ، والبراء ، وزيد بن أرقم ، وخالد بن أبي عبيد ، وأبو بكرة ، وابن عمر ، وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم ، وقد أطال الكلام في بيانه في البناية ثم قال آخرا ، وليس في الأحاديث المذكورة البداءة بالحنطة ، وإنما هي مذكورة في أثنائه ، ولكنه ذكره في المبسوط عن محمد عن أبي حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري بادئا بالحنطة . ا هـ .

                                                                                        والحكم معلول بإجماع القايسين لكن العلة عندنا ما ذكرناه ، وعند الشافعي الطعم في المطعومات ، والثمنية في الأثمان ، والجنسية شرط ، والمساواة مخلص .

                                                                                        والأصل هو الحرمة عنده لأنه نص على شرطين التقابض ، والمماثلة ، وكل ذلك يشعر بالعزة والخطر كاشتراط الشهادة في النكاح فيعلل بعلة تناسب إظهار الخطر والعزة ، وهو الطعم لبقاء الإنسان ، والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط المصالح بها ، ولا أثر للجنسية في ذلك فجعلناه شرطا ، والحكم قد يدور مع الشرط ، ولنا أنه أوجب المماثلة شرطا في البيع ، وهو المقصود بسوقه تحقيقا لمعنى البيع إذ هو ينبئ عن التقابل وذلك بالتماثل أو صيانة لأموال الناس عن التوى أو تتميما للفائدة باتصال التسليم به ثم يلزم عند فوته حرمة الربا ، والمماثلة بين الشيئين باعتبار الصورة والمعنى ، والمعيار يسوي الذات ، والجنسية تسوي المعنى فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الربا لأن الربا هو الفضل المستحق كما قدمناه ، ولا يعتبر الوصف [ ص: 139 ] لأنه لا يعد تفاوتا عرفا أو لأن في اعتباره سد باب البياعات أو لقوله عليه الصلاة والسلام { جيدها ورديئها سواء } ، والطعم ، والثمنية من أعظم وجوه المنافع ، والسبيل في مثلها الإطلاق بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليها دون التضييق فلا يعتبر بما ذكره كذا في الهداية .

                                                                                        [ ص: 137 - 138 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 137 - 138 ] ( قوله ولكن بعدما وضعوا إلخ ) قال في النهر أنت خبير بأن هذا في حيز المنع غاية الأمر أنهم أرادوا هذا المعنى من اللفظ ، وهذا لا يفيد عدم شموله لغيره وضعا نعم في الحواشي السعدية يمكن أن يقال الألف واللام في القدر للعهد ، والمراد الكيل ، والوزن .




                                                                                        الخدمات العلمية