(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )
[ ص: 163 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا )
اعلم أنه تعالى وصف "
يحيى " في هذه الآية بصفات تسع :
الصفة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=31977كونه مخاطبا من الله تعالى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يايحيى خذ الكتاب ) يدل على أن الله تعالى بلغ
بيحيى المبلغ الذي يجوز أن يخاطبه بذلك فحذف ذكره لدلالة الكلام عليه .
المسألة الثانية : الكتاب المذكور يحتمل أن يكون هو التوراة التي هي نعمة الله على
بني إسرائيل لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ) ( الجاثية : 16 ) ويحتمل أن يكون كتابا خص الله به
يحيى كما خص الله تعالى الكثير من الأنبياء بذلك ، والأول أولى لأن حمل الكلام ههنا على المعهود السابق أولى ولا معهود ههنا إلا التوراة .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12بقوة ) ليس المراد منه القدرة على الأخذ لأن ذلك معلوم لكل أحد فيجب حمله على معنى يفيد المدح وهو الجد والصبر على القيام بأمر النبوة ، وحاصلها يرجع إلى حصول ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه .
الصفة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا ) اعلم أن في الحكم أقوالا .
الأول : أنه الحكمة ومنه قول الشاعر :
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام سراع وارد الثمد
وهو الفهم في التوراة والفقه في الدين .
والثاني : وهو قول
معمر أنه العقل روي أنه قال : ما للعب خلقنا .
والثالث : أنه النبوة فإن الله تعالى أحكم عقله في صباه وأوحى إليه وذلك لأن الله تعالى بعث
يحيى وعيسى -عليهما السلام - وهما صبيان لا كما بعث
موسى ومحمدا عليهما السلام ، وقد بلغا الأشد ، والأقرب حمله على النبوة لوجهين :
الأول : أن الله تعالى ذكر في هذه الآية صفات شرفه ومنقبته ، ومعلوم أن
النبوة أشرف صفات الإنسان فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة إلا هذه اللفظة فوجب حملها عليها .
الثاني : أن الحكم هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق وذلك لا يكون إلا بالنبوة فإن قيل : كيف يعقل
حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا ؟ قلنا : هذا السائل ، إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع منه ، فإن منع منه فقد سد باب النبوات لأن بناء الأمر فيها على المعجزات ولا معنى لها إلا خرق العادات ، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلا أشد من استبعاد انشقاق القمر وانفلاق البحر .
الصفة الثالثة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وحنانا من لدنا ) اعلم أن الحنان أصله من الحنين وهو الارتياح والجزع للفراق كما يقال : حنين الناقة وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها ، ذكر
الخليل ذلك ، وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013158 "أنه عليه السلام كان يصلي إلى جذع في المسجد فلما اتخذ له المنبر وتحول إليه حنت تلك الخشبة حتى سمع حنينها" ، فهذا هو الأصل ثم قيل : تحنن فلان على فلان إذا تعطف عليه ورحمه ، وقد اختلف الناس في
وصف الله بالحنان فأجازه بعضهم ، وجعله بمعنى الرءوف الرحيم ، ومنهم من أباه لما يرجع إليه أصل الكلمة قالوا : لم يصح الخبر بهذه اللفظة في أسماء الله تعالى ، إذا عرفت هذا فنقول : الحنان هنا فيه وجهان :
[ ص: 164 ] أحدهما : أن يجعل صفة لله .
وثانيهما : أن يجعل صفة
ليحيى أما إذا جعلناه صفة لله تعالى فنقول : التقدير وآتيناه الحكم حنانا أي : رحمة منا ، ثم ههنا احتمالات :
الأول : أن يكون الحنان من الله
ليحيى ، المعنى : آتيناه الحكم صبيا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وحنانا من لدنا ) أي إنما آتيناه الحكم صبيا حنانا من لدنا عليه أي : رحمة عليه وزكاة أي : وتزكية له وتشريفا له .
الثاني : أن يكون
الحنان من الله تعالى لزكريا عليه السلام فكأنه تعالى قال : إنما استجبنا
لزكريا دعوته بأن أعطيناه ولدا ثم آتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا عليه أي على
زكريا فعلنا ذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وزكاة ) أي وتزكية له عن أن يصير مردود الدعاء .
والثالث : أن يكون الحنان من الله تعالى لأمة
يحيى عليه السلام كأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وآتيناه الحكم صبيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وحنانا ) منا على أمته لعظيم انتفاعهم بهدايته وإرشاده ، أما إذا جعلناه صفة
ليحيى عليه السلام ففيه وجوه :
الأول : آتيناه الحكم والحنان على عبادنا أي التعطف عليهم وحسن النظر على كافتهم فيما أوليه من الحكم عليهم كما وصف نبيه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله لنت لهم ) ( آل عمران : 159 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) ( التوبة : 128 ) ثم أخبر تعالى أنه آتاه زكاة ، ومعناه أن لا تكون شفقته داعية له إلى الإخلال بالواجب لأن الرأفة واللين ربما أورثا ترك الواجب ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) ( النور : 2 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) ( التوبة : 123 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ( المائدة : 54 ) .
فالمعنى : إنما جعلنا له التعطف على عباد الله مع الطهارة عن الإخلال بالواجبات ، ويحتمل آتيناه التعطف على الخلق والطهارة عن المعاصي فلم يعص ولم يهم بمعصية ، وفي الآية وجه آخر وهو المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح : ( وحنانا من لدنا ) والمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=31977آتيناه الحكم صبيا تعظيما إذ جعلناه نبيا وهو صبي ولا تعظيم أكثر من هذا والدليل عليه ما روي أنه مر
ورقة بن نوفل على
بلال وهو يعذب قد ألصق ظهره برمضاء البطحاء ، ويقول : أحد أحد فقال : والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا أي معظما .
الصفة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وزكاة ) وفيه وجوه :
أحدها : أن المراد وآتيناه زكاة أي : عملا صالحا زكيا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج .
وثانيها : زكاة لمن قبل منه حتى يكونوا أزكياء ، عن
الحسن .
وثالثها : زكيناه بحسن الثناء كما تزكي الشهود الإنسان .
ورابعها : صدقة تصدق الله بها على أبويه عن
الكلبي .
وخامسها : بركة ونماء وهو الذي قال
عيسى عليه الصلاة والسلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وجعلني مباركا أين ما كنت ) ( مريم : 31 ) واعلم أن هذا يدل على أن
فعل العبد خلق لله تعالى ؛ لأنه جعل طهارته وزكاته من الله تعالى ، وحمله على الألطاف بعيد ؛ لأنه عدول عن الظاهر .
الصفة الخامسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وكان تقيا ) وقد عرفت معناه وبالجملة فإنه يتضمن غاية المدائح ؛ لأنه هو الذي يتقي نهي الله فيجتنبه ويتقي أمره فلا يهمله ، وأولى الناس بهذا الوصف من لم يعص الله ولا يهم بمعصية وكان
يحيى عليه الصلاة والسلام كذلك ، فإن قيل ما معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وكان تقيا ) ؟
وهذا حين ابتداء تكليفه قلنا : إنما خاطب الله تعالى بذلك الرسول وأخبر عن حاله حيث كان كما أخبر عن نعم الله عليه .
الصفة السادسة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وبرا بوالديه ) ؛ وذلك لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=32470_18004_18015_18018لا عبادة بعد تعظيم الله تعالى مثل تعظيم الوالدين ، ولهذا السبب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) ( الإسراء : 23 ) .
الصفة السابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14ولم يكن جبارا ) والمراد
nindex.php?page=treesubj&link=19540_31977وصفه بالتواضع ولين الجانب وذلك من صفات المؤمنين كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88واخفض جناحك للمؤمنين ) ( الحجر : 88 ) وقال
[ ص: 165 ] تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ( آل عمران : 159 ) ولأن رأس العبادات معرفة الإنسان نفسه بالذل ومعرفة ربه بالعظمة والكمال ومن عرف نفسه بالذل وعرف ربه بالكمال كيف يليق به الترفع والتجبر ، ولذلك فإن إبليس لما تجبر وتمرد صار مبعدا عن رحمة الله تعالى وعن الدين وقيل : الجبار هو الذي لا يرى لأحد على نفسه حقا وهو من العظم والذهاب بنفسه عن أن يلزمه قضاء حق أحد ، وقال
سفيان في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14جبارا عصيا ) إنه الذي يقبل على الغضب ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ) ( القصص : 19 ) وقيل : كل من عاقب على غضب نفسه من غير حق ؛ فهو جبار لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) ( الشعراء : 130 ) .
الصفة الثامنة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14عصيا ) وهو أبلغ من العاصي كما أن العليم أبلغ من العالم .
الصفة التاسعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) وفيه أقوال :
أحدها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير الطبري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412_30173_31977أمان من الله يوم ولد من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15ويوم يموت ) أي : وأمان عليه من عذاب القبر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15ويوم يبعث حيا ) أي ومن عذاب القيامة .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ؛ فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت ؛ فيرى قوما ما شاهدهم قط ، ويوم يبعث ؛ فيرى نفسه في محشر عظيم ؛ فأكرم الله
يحيى عليه الصلاة والسلام فخصه بالسلام عليه في هذه المواطن الثلاثة .
وثالثها : قال
عبد الله بن نفطويه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وسلام عليه يوم ولد ) أي : أول ما يرى الدنيا (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15ويوم يموت ) أي : أول يوم يرى فيه أول أمر الآخرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15ويوم يبعث حيا ) أي : أول يوم يرى فيه الجنة والنار وهو يوم القيامة . وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15حيا ) تنبيها على كونه من الشهداء لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169بل أحياء عند ربهم يرزقون ) ( آل عمران : 169 )
فروع :
الأول : هذا السلام يمكن أن يكون من الله تعالى وأن يكون من الملائكة وعلى التقديرين فدلالة شرفه وفضله لا تختلف لأن الملائكة لا يسلمون إلا عن أمر الله تعالى .
الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=31977_29638ليحيى مزية في هذا السلام على ما لسائر الأنبياء عليهم السلام كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=79سلام على نوح في العالمين ) ( الصافات : 79 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=109سلام على إبراهيم ) ( الصافات : 109 ) ؛ لأنه قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15يوم ولد ) وليس ذلك لسائر الأنبياء عليهم السلام .
الثالث : روي أن
عيسى عليه السلام قال
ليحيى عليه السلام : أنت أفضل مني لأن الله تعالى سلم عليك وأنا سلمت على نفسي ، وهذا ليس بقوي لأن
سلام عيسى على نفسه يجري مجرى سلام الله على يحيى لأن
عيسى معصوم لا يفعل إلا ما أمره الله به .
الرابع : السلام عليه يوم ولد لا بد وأن يكون تفضلا من الله تعالى ؛ لأنه لم يتقدم منه ما يكون ذلك جزاء له ، وأما السلام عليه يوم يموت ويوم يبعث في المحشر ، فقد يجوز أن يكون ثوابا كالمدح والتعظيم ، والله تعالى أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا )
[ ص: 163 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ "
يَحْيَى " فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِصِفَاتٍ تِسْعٍ :
الصِّفَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=31977كَوْنُهُ مُخَاطَبًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَلَغَ
بِيَحْيَى الْمَبْلَغَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِذَلِكَ فَحَذَفَ ذِكْرَهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْكِتَابُ الْمَذْكُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّوْرَاةَ الَّتِي هِيَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=16وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) ( الْجَاثِيَةِ : 16 ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِتَابًا خَصَّ اللَّهُ بِهِ
يَحْيَى كَمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْكَثِيرَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ هَهُنَا عَلَى الْمَعْهُودِ السَّابِقِ أَوْلَى وَلَا مَعْهُودَ هَهُنَا إِلَّا التَّوْرَاةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12بِقُوَّةٍ ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَخْذِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى يُفِيدُ الْمَدْحَ وَهُوَ الْجِدُّ وَالصَّبْرُ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ النُّبُوَّةِ ، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى حُصُولِ مَلَكَةٍ تَقْتَضِي سُهُولَةَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْإِحْجَامَ عَنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحُكْمِ أَقْوَالًا .
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ الْحِكْمَةُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْ إِلَى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ
وَهُوَ الْفَهْمُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
مَعْمَرٍ أَنَّهُ الْعَقْلُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : مَا لِلَّعِبِ خُلِقْنَا .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ النُّبُوَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْكَمَ عَقْلَهُ فِي صِبَاهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ
يَحْيَى وَعِيسَى -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا صَبِيَّانِ لَا كَمَا بَعَثَ
مُوسَى وَمُحَمَّدًا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَقَدْ بَلَغَا الْأَشُدَّ ، وَالْأَقْرَبُ حَمْلُهُ عَلَى النُّبُوَّةِ لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صِفَاتِ شَرَفِهِ وَمَنْقَبَتِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
النُّبُوَّةَ أَشْرَفُ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ فَذِكْرُهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ أَوْلَى مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ نَبُّوتُهُ مَذْكُورَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا لَفْظَ يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ إِلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهَا .
الثَّانِي : أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُحْكَمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُعْقَلُ
حُصُولُ الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ وَالنُّبُوَّةِ حَالَ الصِّبَا ؟ قُلْنَا : هَذَا السَّائِلُ ، إِمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ أَوْ لَا يَمْنَعَ مِنْهُ ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ فَقَدْ سَدَّ بَابَ النُّبُوَّاتِ لِأَنَّ بِنَاءَ الْأَمْرِ فِيهَا عَلَى الْمُعْجِزَاتِ وَلَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا خَرْقُ الْعَادَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ زَالَ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ فَإِنَّهُ لَيْسَ اسْتِبْعَادُ صَيْرُورَةِ الصَّبِيِّ عَاقِلًا أَشَدَّ مِنَ اسْتِبْعَادِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ .
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْحَنِينِ وَهُوَ الِارْتِيَاحُ وَالْجَزَعُ لِلْفِرَاقِ كَمَا يُقَالُ : حَنِينُ النَّاقَةِ وَهُوَ صَوْتُهَا إِذَا اشْتَاقَتْ إِلَى وَلَدِهَا ، ذَكَرَ
الْخَلِيلُ ذَلِكَ ، وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013158 "أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا اتُّخِذَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّتْ تِلْكَ الْخَشَبَةُ حَتَّى سُمِعَ حَنِينُهَا" ، فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ قِيلَ : تَحَنَّنَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا تَعَطَّفَ عَلَيْهِ وَرَحِمَهُ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
وَصْفِ اللَّهِ بِالْحَنَّانِ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ ، وَجَعَلَهُ بِمَعْنَى الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ لِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ قَالُوا : لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْحَنَانُ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ :
[ ص: 164 ] أَحَدُهُمَا : أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلَّهِ .
وَثَانِيهِمَا : أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً
لِيَحْيَى أَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَنَقُولُ : التَّقْدِيرُ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ حَنَانًا أَيْ : رَحْمَةً مِنَّا ، ثُمَّ هَهُنَا احْتِمَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ
لِيَحْيَى ، الْمَعْنَى : آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) أَيْ إِنَّمَا آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا عَلَيْهِ أَيْ : رَحْمَةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً أَيْ : وَتَزْكِيَةً لَهُ وَتَشْرِيفًا لَهُ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ
الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : إِنَّمَا اسْتَجَبْنَا
لِزَكَرِيَّا دَعَوْتَهُ بِأَنْ أَعْطَيْنَاهُ وَلَدًا ثُمَّ آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى
زَكَرِيَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَزَكَاةً ) أَيْ وَتَزْكِيَةً لَهُ عَنْ أَنْ يَصِيرَ مَرْدُودَ الدُّعَاءِ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأُمَّةِ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=12وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَحَنَانًا ) مِنَّا عَلَى أُمَّتِهِ لِعَظِيمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِدَايَتِهِ وَإِرْشَادِهِ ، أَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ صِفَةً
لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ وَالْحَنَانَ عَلَى عِبَادِنَا أَيِ التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ وَحُسْنَ النَّظَرِ عَلَى كَافَّتِهِمْ فِيمَا أُوَلِّيهِ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ كَمَا وَصَفَ نَبِيَّهُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 159 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ( التَّوْبَةِ : 128 ) ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَاهُ زَكَاةً ، وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا تَكُونَ شَفَقَتُهُ دَاعِيَةً لَهُ إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّ الرَّأْفَةَ وَاللِّينَ رُبَّمَا أَوْرَثَا تَرْكَ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ( النُّورِ : 2 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) ( التَّوْبَةِ : 123 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ) ( الْمَائِدَةِ : 54 ) .
فَالْمَعْنَى : إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهُ التَّعَطُّفَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ مَعَ الطَّهَارَةِ عَنِ الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبَاتِ ، وَيُحْتَمَلُ آتَيْنَاهُ التَّعَطُّفَ عَلَى الْخَلْقِ وَالطَّهَارَةَ عَنِ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ : ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) وَالْمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=31977آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا تَعْظِيمًا إِذْ جَعَلْنَاهُ نَبِيًّا وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَا تَعْظِيمَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ مَرَّ
وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ عَلَى
بِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ قَدْ أُلْصِقَ ظَهْرُهُ بِرَمْضَاءِ الْبَطْحَاءِ ، وَيَقُولُ : أَحَدٌ أَحَدٌ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا أَيْ مُعَظَّمًا .
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَزَكَاةً ) وَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ وَآتَيْنَاهُ زَكَاةً أَيْ : عَمَلًا صَالِحًا زَكِيًّا ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ .
وَثَانِيهَا : زَكَاةً لِمَنْ قَبِلَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونُوا أَزْكِيَاءَ ، عَنِ
الْحَسَنِ .
وَثَالِثُهَا : زَكَّيْنَاهُ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ كَمَا تُزَكِّي الشُّهُودُ الْإِنْسَانَ .
وَرَابِعُهَا : صَدَقَةً تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ عَنِ
الْكَلْبِيِّ .
وَخَامِسُهَا : بَرَكَةً وَنَمَاءً وَهُوَ الَّذِي قَالَ
عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=31وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) ( مَرْيَمَ : 31 ) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ طِهَارَتَهُ وَزَكَاتَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَلْطَافِ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ .
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَكَانَ تَقِيًّا ) وَقَدْ عَرَفْتَ مَعْنَاهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ غَايَةَ الْمَدَائِحِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَّقِي نَهْيَ اللَّهِ فَيَجْتَنِبُهُ وَيَتَّقِي أَمْرَهُ فَلَا يُهْمِلُهُ ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْوَصْفِ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ وَلَا يَهُمُّ بِمَعْصِيَةٍ وَكَانَ
يَحْيَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=13وَكَانَ تَقِيًّا ) ؟
وَهَذَا حِينَ ابْتِدَاءِ تَكْلِيفِهِ قُلْنَا : إِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ الرَّسُولَ وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِهِ حَيْثُ كَانَ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ .
الصِّفَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ ) ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=32470_18004_18015_18018لَا عِبَادَةَ بَعْدَ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ ، وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ( الْإِسْرَاءِ : 23 ) .
الصِّفَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا ) وَالْمُرَادُ
nindex.php?page=treesubj&link=19540_31977وَصْفُهُ بِالتَّوَاضُعِ وَلِينِ الْجَانِبِ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( الْحِجْرِ : 88 ) وَقَالَ
[ ص: 165 ] تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 159 ) وَلِأَنَّ رَأْسَ الْعِبَادَاتِ مَعْرِفَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالذُّلِّ وَمَعْرِفَةُ رَبِّهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالذُّلِّ وَعَرَفَ رَبَّهُ بِالْكَمَالِ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ التَّرَفُّعُ وَالتَّجَبُّرُ ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا تَجَبَّرَ وَتَمَرَّدَ صَارَ مُبْعَدًا عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنِ الدِّينِ وَقِيلَ : الْجَبَّارُ هُوَ الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَقًّا وَهُوَ مِنَ الْعِظَمِ وَالذَّهَابِ بِنَفْسِهِ عَنْ أَنْ يَلْزَمَهُ قَضَاءُ حَقِّ أَحَدٍ ، وَقَالَ
سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14جَبَّارًا عَصِيًّا ) إِنَّهُ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى الْغَضَبِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=19أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ ) ( الْقِصَصِ : 19 ) وَقِيلَ : كُلُّ مَنْ عَاقَبَ عَلَى غَضَبِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ؛ فَهُوَ جَبَّارٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) ( الشُّعَرَاءِ : 130 ) .
الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=14عَصِيًّا ) وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْعَاصِي كَمَا أَنَّ الْعَلِيمَ أَبْلَغُ مِنَ الْعَالِمِ .
الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) وَفِيهِ أَقْوَالٌ :
أَحَدُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=29703_32412_30173_31977أَمَانٌ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ وُلِدَ مِنْ أَنْ يَنَالَهُ الشَّيْطَانُ كَمَا يَنَالُ سَائِرَ بَنِي آدَمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَيَوْمَ يَمُوتُ ) أَيْ : وَأَمَانٌ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) أَيْ وَمِنْ عَذَابِ الْقِيَامَةِ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : أَوْحَشُ مَا يَكُونُ الْخَلْقُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ يَوْمَ يُولَدُ ؛ فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ ، وَيَوْمَ يَمُوتُ ؛ فَيَرَى قَوْمًا مَا شَاهَدَهُمْ قَطُّ ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ ؛ فَيَرَى نَفْسَهُ فِي مَحْشَرٍ عَظِيمٍ ؛ فَأَكْرَمَ اللَّهُ
يَحْيَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَخَصَّهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَفْطَوَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ) أَيْ : أَوَّلَ مَا يَرَى الدُّنْيَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَيَوْمَ يَمُوتُ ) أَيْ : أَوَّلَ يَوْمٍ يَرَى فِيهِ أَوَّلَ أَمْرِ الْآخِرَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) أَيْ : أَوَّلَ يَوْمٍ يَرَى فِيهِ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ . وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15حَيًّا ) تَنْبِيهًا عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الشُّهَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=169بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ( آلِ عِمْرَانَ : 169 )
فُرُوعٌ :
الْأَوَّلُ : هَذَا السَّلَامُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَدَلَالَةُ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ لَا تَخْتَلِفُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُسَلِّمُونَ إِلَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=31977_29638لِيَحْيَى مَزِيَّةٌ فِي هَذَا السَّلَامِ عَلَى مَا لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=79سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) ( الصَّافَّاتِ : 79 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=109سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ( الصَّافَّاتِ : 109 ) ؛ لِأَنَّهُ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=15يَوْمَ وُلِدَ ) وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .
الثَّالِثُ : رُوِيَ أَنَّ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنْتَ أَفْضَلُ مِنِّي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَّمَ عَلَيْكَ وَأَنَا سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ
سَلَامَ عِيسَى عَلَى نَفْسِهِ يَجْرِي مَجْرَى سَلَامِ اللَّهِ عَلَى يَحْيَى لِأَنَّ
عِيسَى مَعْصُومٌ لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ .
الرَّابِعُ : السَّلَامُ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَفَضُّلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ جَزَاءً لَهُ ، وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَيْهِ يَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ فِي الْمَحْشَرِ ، فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَوَابًا كَالْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .