الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وصح بيع المكيل كالبر ، والشعير ، والتمر ، والملح ، والموزون كالنقدين وما ينسب إلى الرطل بجنسه متساويا لا متفاضلا ) فالبر ، والشعير ، والتمر ، والملح مكيلة أبدا لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فلا يتغير أبدا فيشترط التساوي بالكيل ، ولا يلتفت إلى التساوي في الوزن دون الكيل حتى لو باع حنطة بحنطة ، وزنا لا كيلا لم يجز ، والذهب والفضة موزونة أبدا للنص على وزنهما فلا بد من التساوي في الوزن حتى لو تساوى الذهب بالذهب كيلا لا وزنا لم يجز ، وكذا الفضة بالفضة لأن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة علينا لأن النص أقوى من العرف فلا يترك الأقوى بالأدنى ، وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دلالة على جواز الحكم ، وعن أبي يوسف اعتبارها على خلاف النص لأن النص عليه في ذلك الوقت إنما كان للعادة فكانت هي المنظور إليها في ذلك الوقت ، وقد تبدلت ، وأما الإسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان ، والفتوى على الجواز لأن الشرط كونه معلوما ، وفي الكافي الفتوى على عادة الناس ، والرطل بكسر الراء وفتحها قال الجوهري إنه نصف من ، وهو ما يوزن به [ ص: 141 ] وفي النهاية إنه اثنا عشر أوقية .

                                                                                        وقال أبو عبيدة الرطل مائة درهم ، وثمانية وعشرون درهما ، ووزن سبعة ، وفي المغرب الرطل ما يوزن به أو يكال به ، وفي فتح القدير ثم الرطل ، والأوقية مختلف فيهما عرف الأمصار ، ويختلف في المصر الواحد أمر المبيعات فالرطل الآن بالإسكندرية ثلاثمائة درهم ، واثنا عشر درهما كل عشرة ، وزن سبعة ، وفي مصر مائة وأربعة ، وأربعون درهما ، وفي الشام أكثر من ذلك فهو أربعة أمثاله ، وفي حلب أكثر من ذلك ، وتفسير أبي عبيدة له تفسير للرطل العراقي الذي قدر به الفقهاء كيل صدقة الفطر ، وغيرها من الكفارات . ا هـ .

                                                                                        وفسر في الهداية ما ينسب إلى الرطل بما يباع بالأواقي ، وفسره قاضي خان أيضا فقال وتفسيره أن ما يباع بالأواقي فهو وزني لأنها قدرت بطريق الوزن ، وصارت وزنية أما سائر المكاييل ما قدرت بالوزن فلا يكون وزنيا ا هـ .

                                                                                        حتى يحسب ما يباع وزنا ، وهذا لأنه يشق وزن الدهن بالأمناء والصنجات لعدم الاستمساك إلا في وعاء ، وفي وزن كل وعاء نوع حرج فاتخذ الرطل لذلك ، والأواقي جمع أوقية بالتشديد ، وهي أربعون درهما ، والمراد بها هنا مواعين معلومات الوزن .

                                                                                        قال في الهداية فإذا كان موزونا فلو بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله لا يجوز ، ولو كان سواء بسواء لتوهم الفضل في الوزن بمنزلة المجازفة ، وفي التبيين ، وهذا مشكل لأن الشيئين إذا تساويا في كيل وجب أن يستويا في كيل آخر ، ولا تأثير لكون الكيل معلوما أو مجهولا في ذلك إذ لا يختلف ثقله فيهما ، وفي النهاية قال الإسبيجابي فائدة هذا أنه لو باع ما ينسب إلى الرطل بجنسه متفاضلا في الكيل متساويا في الوزن يجوز ، وهذا أحسن ، وهو قياس الموزونات فإنه لا يعتبر فيه إلا الوزن غير أنه يؤدي إلى أنه لا يجوز بالأواقي أيضا إذ لا فرق بين كيل وكيل على ما بيناه ، ولا يندفع هذا الإشكال إلا إذا منع الجواز في الكيل ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وعن أبي يوسف اعتبارها إلخ ) قال في النهر قال في الحواشي السعدية ، وعلى هذا فاستقراض الدراهم عددا ، وبيع الدقيق وزنا على ما هو المتعارف في زماننا ينبغي أن يكون مبنيا على هذه الرواية ا هـ .

                                                                                        أي بيعه بمثله وزنا ، وظاهر ما في الفتح يفيد ترجيحها . ا هـ .

                                                                                        وقوله أي بيعه بمثله تقييد احترز به عن بيعه بالدراهم مثلا فإنه جائز وزنا قال في الذخيرة ، وقال شيخ الإسلام أجمعوا على أن ما ثبت كيله بالنص إذا بيع وزنا بالدراهم يجوز ، وكذلك ما ثبت وزنه بالنص . ا هـ .

                                                                                        وقوله وظاهر ما في الفتح إلخ أي حيث انتصر لأبي يوسف ورد ما أورده على تعليله ( قوله وأما الإسلام في الحنطة وزنا إلخ ) قال في النهر ثم مقتضى ما قالا امتناع السلم في الحنطة وزنا ، وهو رواية الحسن عن أصحابنا ، واختار الطحاوي الجواز لأن المسلم فيه معلوم ، وعليه الفتوى ، وقوله في الكافي الفتوى على عادة الناس يقتضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا ، وأسلم وزنا لا يجوز [ ص: 141 ] ولا ينبغي ذلك بل إذا اتفقا على معرفة كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح وانتفاء المانع كذا في الفتح ( قوله وفسر في الهداية ما ينسب إلى الرطل إلخ ) قال الرملي فعلى هذا الزيت والسمن والعسل ونحوها موزونات وإن كيلت بالمواعين لاعتبار الوزن فيها ( قوله والمراد بها هنا مواعين إلخ ) نظيره في عرفنا الحقاق التي يباع بها الزيت فإن الحق اسم لما يسع وزنا معلوما فيكال الزيت بالحقاق ويحسب بالأرطال ، وهذا معنى نسبته إلى الرطل وحينئذ فالحق يسمى أوقية ( قوله وفي التبيين ، وهذا مشكل إلخ ) قال في النهر ، وقدمنا عن الفتح أنه لو باع الفضة بجنسها في كفة ميزان جاز لانتفاء احتمال التفاضل ، وهذا يؤيد ما ادعاه الشارح ، وعن الصيرفية أيضا لو تبايعا تبرا بذهب مضروب كفة بكفة [ ص: 142 ] لا يجوز ما لم يعلما وزن الذهب لأنه وزني ، وهذا يشهد لصاحب الهداية ، والظاهر أنهما قولان متقابلان ، والله الموفق .




                                                                                        الخدمات العلمية