الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم [ ص: 165 ] حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا

                                                                                                                                                                                                أن إذا سمعتم : هي أن المخففة من الثقيلة ، والمعنى أنه إذا سمعتم ، أي : نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها ، و “ أن" مع ما في حيزها في موضع الرفع بـ “ نزل" ، أو في موضع النصب بـ “ نزل" ، فيمن قرأ به ، والمنزل عليهم في الكتاب : هو ما نزل عليهم ب مكة من قوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره [الأنعام : 68] وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزئون به ، فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه ، وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين ، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة ، وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون ، فقيل لهم : إنكم إذا مثل الأحبار في الكفر إن الله جامع المنافقين والكافرين يعني القاعدون والمقعود معهم . فإن قلت : الضمير في قوله : فلا تقعدوا معهم إلى من يرجع؟ قلت : إلى من دل عليه يكفر بها ويستهزأ بها كأنه قيل : فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها . فإن قلت : لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟ قلت : لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين ، والراضي بالكفر كافر . فإن قلت : فهلا كان المسلمون بمكة - حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين منافقين؟ قلت : لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم ، فكان ترك الإنكار لرضاهم الذين يتربصون إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم يتربصون بكم أي : ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق ألم نكن معكم : مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة ألم نستحوذ عليكم : ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم ونمنعكم من المؤمنين بأن ثبطناهم عنكم ، وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبكم ومرضوا في قتالكم ، وتوانينا في مظاهرتهم عليكم ، فهاتوا نصيبا لنا بما أصبتم ، وقرئ "ونمنعكم" بالنصب بإضمار أن ، قال الحطيئة [من الوافر] :


                                                                                                                                                                                                ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والإخاء؟



                                                                                                                                                                                                [ ص: 166 ] فإن قلت : لم سمى ظفر المسلمين فتحا ، وظفر الكافرين نصيبا؟ قلت : تعظيما لشأن المسلمين ، وتخسيسا لحظ الكافرين; لأن ظفر المسلمين أمر عظيم ، تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه ، وأما ظفر الكافرين ، فما هو إلا حظ دني ولمظة من الدنيا يصيبونها .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية