الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المقصد الرابع : السعي ، وأصل وجوبه وركنيته : حديث جابر المتقدم ، في ( الموطأ ) عن عروة عن أبيه قال : قلت لعائشة - رضي الله عنها - أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) . ( البقرة : 158 ) وما على الرجل أن لا يطوف بهما قالت عائشة - رضي الله عنها - : كلا لو كان كما تقول ، لكانت : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، إنما نزلت في الأنصار ، وكانوا يهلون لمناة ، وكانت مناة حذو قديد ، فكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزلها الله ، تشير - رضي الله عنها - إلى قاعدة أصولية ، وهي : أن نفي الحرج إثبات للجواز ( وثبوت الجواز ) لا ينافي الوجوب ، بل الجواز مع لوازم الوجوب ، فلو نفي الحرج عن الترك أبطل الوجوب ، وهي جديرة بذلك - رضي الله عنها - لقوله عليه السلام : ( خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ) وفي السعي فصلان : الفصل الأول : في الشروط وهي أربعة : الشرط الأول : الترتيب ، وفي [ ص: 251 ] ( الكتاب ) : إذا فرغ من طوافه خرج إلى الصفا ، ولم يحد مالك في أي باب يخرج ، ويستحب أن يصعد منه ومن المروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منه ، ولا يعجبني أن يدعو قاعدا عليهما إلا من علة ، ويقف النساء أسفلهما وليس عليهن الصعود إلا أن يخلوا فيصعدن وذلك أفضل لهن ، ولم يحد مالك في الدعاء حدا ، ولا لطول القيام وقتا ، ويستحب المكث عليهما في الدعاء ، وترك رفع الأيدي أحب إلى مالك في كل شيء إلا في ابتداء الصلاة ، فإن بدأ بالمروة زاد شرطا ليصير بادئا بالصفا ، قال سند : الناس يستحبون الخروج من باب الصفا ; لكونه أقرب ، ويجزئ الساعي دون الصعود خلافا لبعض الشافعية ، لما روي أن عثمان - رضي الله عنه - كان لا يصعد الصفا ولم ينكر عليه أحد ، ولا يجب إلصاق الكعبين به على المذهب بل يبلغه من غير تحديد ، وقال ( ش ) : يجب وهو كقوله في الطواف يبدأ بالحجر ، قال ابن حبيب : يقول إذا صعد الصفا ورأى البيت رافعا يديه : الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، والحمد لله كثيرا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ثم يدعو بما استطاع ، ثم يكبر ثلاثا ويهلل مرة ، ثم يدعو ثم يعيد التكبير والتهليل ، ثم يدعو يفعل ذلك سبع مرات ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مروي عن عمر وغيره ، والترتيب شرط عند مالك و ( ش ) خلافا ل ( ح ) لنا : حديث جابر فإن خرج إلى بلده يختلف في رجوعه كمن ترك شوطا من الطواف .

                                                                                                                الشرط الثاني : الموالاة ، وفي ( الكتاب ) : إذا جلس في سعيه شيئا خفيفا أجزأه ، وإن كان كالتارك ابتدأه ولا يبني ، ولا يصلي على جنازة ، ولا يبيع ولا يشتري ، ولا يقف مع أحد يحدثه فإن فعل وكان خفيفا لم يضر ، وإن أصابه حقن توضأ وبنى ، الكلام هنا كالكلام في الطواف ، وهو في السعي أخف ، ولذلك جوز له الصلاة على الجنازة بخلاف الطواف .

                                                                                                                [ ص: 252 ] الشرط الثالث : إكمال العدد ، وفي ( الكتاب ) : من ترك شوطا من حج أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده .

                                                                                                                سؤال : الصفا أفضل أو المروة ؟ جوابه : المروة ؛ لأن الساعي يزورها من الصفا أربعا ويزور الصفا من المروة ثلاثا ، ومن كانت العبادة فيه أكثر كان أفضل .

                                                                                                                الشرط الرابع : أن يتقدمه طواف صحيح ، وفي ( الجواهر ) : يشترط فيه تقدم طواف صحيح ، وليسع عقب طواف القدوم ، فإن كان مراهقا : فعقيب طواف الإفاضة ولو أخره غير المراهق ( عقيب الإفاضة ) لزمه الدم عند ابن القاسم ، خلافا لأشهب ، ولو أخره عقيب طواف الوداع أجزأه عند مالك ، خلافا لابن عبد الحكم ، وفي ( الكتاب ) قال ابن القاسم : إذا قدم مكة فطاف ، ولم ينو به حجا ثم سعى : لا أحب له سعيه إلا بعد طواف ينوي به الفرض ، فإن رجع إلى بلده أو جامع رأيته مجزئا عنه ، وعليه دم وأمر الدم خفيف ، قال سند : وقد نقله البرذاعي على خلاف هذا فقال : إذا طاف ولم ينو فرضا ولا تطوعا ، ثم سعى لم يجزئه ، وليس كذلك ; لأنه لو لم يجزئه لوجب الرجوع إليه من بلده فإن كان هذا غافلا عن الواجب أجزأه ، كالغفلة عن أركان الصلاة ، فإن كان ذاكرا للواجب وقصد التطوع ، فيحتمل الإجزاء اعتمادا على نية الإحرام . وإن الرفض يؤثر فيها وهو الأظهر ، ويحتمل عدم الإجزاء لوجود المعارض .

                                                                                                                الفصل الثاني : في سننه وهي خمس :

                                                                                                                السنة الأولى : قال سند : اتصاله بالطواف إلا اليسير ، وله أن يطوف بعد الصبح ويسعى بعد الشمس ، وكذلك بعد العصر قال مالك : إن طاف ليلا وأخره حتى أصبح أجزأه إن كان بوضوء ، وإلا أعاد الطواف والسعي والحلاق ، فإن خرج من مكة أهدى وأجزأه تأكيدا للتفريق بالحدث .

                                                                                                                السنة الثانية : الطهارة قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : إن سعى جنبا أجزأه ، [ ص: 253 ] قال سند : يستحب الوضوء أو الطهارة لاتصاله بالطواف كخطبة العيد قاله مالك في ( الكتاب ) : والأصل قوله عليه السلام في الصحيحين لعائشة - رضي الله عنها - لما حاضت : ( اقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ) فخص الطهارة بالطواف .

                                                                                                                السنة الثالثة : المشي ؛ لأنه قربة كما تقدم في الطواف ، وفي ( الكتاب ) : لا يسعى راكبا إلا من عذر ، وقد سعى راكبا للعذر بالاستفتاء .

                                                                                                                سؤال : كيف يصح عنه أنه ركب في السعي وأنه رمل ؟ جوابه رمل بزيادة تحريك دابته ، ويجوز أن يكون ركب في حجه ومشى في عمرته أو بالعكس ، والكلام في المشي ههنا كالكلام في المشي في الطواف .

                                                                                                                السنة الرابعة : قال سند : أن يتقدمه طواف واجب .

                                                                                                                السنة الخامسة : الرملان وفي ( الكتاب ) : إن رمل في جميع سعيه أساء وأجزأه ، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه قال سند : من نسيه من جميع سعيه كمن نسيه في جميع طوافه ، وقال مالك أيضا : إن أهدى لترك الرملان فحسن ، وقال أيضا : يعيد إلا أن يفوت ، وقال أشهب : يعيد ما كان في مكة فإن فات أهدى ، وقال عبد الملك : لا يعيد وعليه دم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية