الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      «ومن باب الإشارة» قوله تعالى: ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب، والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عز وجل لا أثر له، فطوبى لمن رزق الرضا، بتدبير الله تعالى، واستغنى عن تدبيره، الذي أحسن كل شيء خلقه فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئا من المخلوقات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد حكي أن نوحا عليه السلام بصق على كلب أجرب، فأنطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح أعبتني أم عبت خالقي، فناح عليه السلام لذلك زمانا طويلا.

                                                                                                                                                                                                                                      فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: وبدأ خلق الإنسان من طين إلى آخر الآية بعد قوله سبحانه: الذي أحسن إلخ، إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات، والطين بالنسبة إليه كلا شيء إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم [ ص: 142 ] وهم لا يستكبرون إشارة إلى حال كاملي الإيمان، وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عز وجل، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا إشارة إلى سهرهم في مناجاة محبوبهم، وملاحظة جلاله وجماله، وفي قوله: ومما رزقناهم أي من المعارف وأنواع الفيوضات، ينفقون إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كمالهم في أنفسهم، وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا، والعذاب الأكبر العذاب على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: الأول التعب في طلب الدنيا، والثاني شتات السر، وقيل: الأول حرمان المعرفة، والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف، وقيل: الأول الهوان والثاني الخذلان، وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف، وهو الصبر على مشاق العبادات، وأنواع البليات، وحبس النفس عن ملاذ الشهوات، والإيقان بالآيات، فمن يدعي الإرشاد وهو غير متصف بما ذكر فهو ضال مضلل، فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون فيه إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين، والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة، وإلى أنهم هالكون لا محالة، فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سم قاتل وسهم هدفه المقاتل، نعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبه الأكرم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية