الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن سرق باب دار أو مسجد لم يقطع ; لأنه ظاهر غير محرز ، ولا قطع في سرقة مال غير محرز ، ولأن بالباب يصير ما في البيت محرزا فسارق الباب يكون سارقا للحرز دون المحرز دون المحرز فهو كسرقة الحارس ، وكذلك لو سرق ثوبا قد سقط على حائط إلى السكة ، فإنه غير محرز ، فإن الحائط غير محرز بل به يحرز ما في داخل البيت فما على ظاهر الحائط لا يكون محرزا أيضا ، وكذلك إن سرق خشبة أو ساجة في السكة ، وكذلك لو سرق ثوبا من حمام أو بيت إنسان أذن له في دخوله أو حانوت تاجر في السوق قد أذن للناس في دخوله .

والأصل في جنس هذه المسائل أن المال يكون محرزا بالمكان تارة وبالحائط أخرى ، وكل مكان هو معد لحفظ الأمتعة فيه فهو حرز ، وما لم يكن معدا مبنيا لذلك لا يكون حرزا ، والإحراز بالحافظ إنما يعتبر فيما ليس بمحرز بالمكان ، فأما فيما كان محرزا بالمكان لا يعتبر الإحراز بالحافظ ; لأنه بدونه محرز ، فإنما يتحقق الإحراز فيما ليس محرزا إذا عرفنا هذا فنقول الحانوت حرز حتى لو سرق منه ليلا استوجب القطع ، وإذا فتح التاجر باب الحانوت بالنهار وأذن للناس بالدخول فيه والمعاملة معه فكل من دخل كان داخلا بإذن صاحبه ، وذلك شبهة مانعة من وجوب القطع ; لأن كل داخل بحكم الإذن بمنزلة صاحب الدار والحانوت فينعدم هتك الحرز من هذا الوجه ، ويستوي إن كان صاحب الحانوت هناك يحفظ متاعه أو لا يكون ; لأن الحافظ غير معتبر فيما هو محرز بالمكان ، وكذلك البيت المأذون بالدخول فيه أو الدار الواحدة إذا أذن له بالدخول في بعض بيوتها ويستوي إن سرق من ذلك البيت أو من بيت آخر فيها أو من صندوق مقفل ; لأن الكل حرز واحد .

ألا ترى أن السارق ما لم يخرج المسروق من الدار لا يستوجب القطع بخلاف ما إذا كانت إحدى الدارين تنفصل عن الأخرى ; لأن كل واحدة منهما [ ص: 151 ] حرز على حدة ، ألا ترى أن المودع إذا أمر بحفظ الوديعة في دار فحفظها في دار أخرى فهلكت كان ضامنا ؟ بخلاف ما إذا أمر بحفظها في بيت آخر من تلك الدار ، فإذا كان مأذونا في دخول بيت منها تنعدم الحرزية في حقه فلا يقطع سواء كان صاحب الدار هناك أو لم يكن ، وكذلك الحمام ، فإنه حرز في نفسه حتى لو سرق منه ليلا يقطع وبالنهار هو مأذون بالدخول فيه فيمتنع وجوب القطع عليه سواء كان هناك حافظ أو لم يكن ، فأما الصحراء فليس بحرز في نفسه ، وإنما يصير المال محرزا فيه بالحافظ ، فإذا كان هناك حافظ يجب القطع على السارق وإلا فلا قطع عليه ، وكذلك المسجد ، فإنه ما بني للإحراز وحفظ الأمتعة به ، فإنما يكون المتاع فيه محرزا بالحافظ ، فإذا لم يكن مع المال حافظ فلا قطع عليه سرق منه ليلا أو نهارا ، فإذا كان هناك حافظ فعليه القطع لحديث صفوان رضي الله عنه { ، فإنه كان نائما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوسدا بردائه فجاء سارق فسرقه فاتبعه حتى أخذه وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه }

التالي السابق


الخدمات العلمية