الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2196 7 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث

                                                              175 \ 2110 - وعن ابن عباس قال : طلق عبد يزيد - أبو ركانة وإخوته - أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرة أخذتها من رأسها، ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه : أترون فلانا يشبه منه كذا وكذا ، من عبد يزيد، وفلانا يشبه منه كذا وكذا؟ قالوا : نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد : طلقها، ففعل، ثم قال : راجع امرأتك أم ركانة وإخوته، فقال : إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله، قال : قد علمت، راجعها وتلا يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن .

                                                              [ ص: 526 ] قال أبو داود : وحديث نافع بن عجير، وعبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده : "أن ركانة طلق امرأته، فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم" أصح، لأنهم ولد الرجل، وأهله أعلم به، أن ركانة إنما طلق امرأته البتة، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة .

                                                              وقال الخطابي: في إسناد هذا الحديث مقال، لأن ابن جريج إنما رواه عن بعض بني أبي رافع، ولم يسمه، والمجهول لا تقوم به الحجة. وحكى أيضا أن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف طرق هذا الحديث كلها.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: والحديث الذي رجحه أبو داود هو حديث نافع بن عجير: أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان . قال أبو داود: وهذا أصح من حديث ابن جريج يعني الحديث الذي قبل هذا. تم كلامه.

                                                              وهذا هو الحديث الذي ضعفه الإمام أحمد، والناس، فإنه من رواية عبد الله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير، عن ركانة، ومن رواية الزبير بن سعيد، عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، وكلهم ضعيف، والزبير أضعفهم، وضعف البخاري أيضا هذا الحديث، قال: علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، لم يصح حديثه.

                                                              [ ص: 527 ] وأما قول أبي داود: إنه أصح من حديث ابن جريج، فلأن ابن جريج رواه عن بعض بني رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس، ولأبي رافع بنون ليس فيهم من يحتج به إلا عبيد الله بن رافع، ولا نعلم هل هو هذا أو غيره؟ فلهذا - والله أعلم - رجح أبو داود حديث نافع بن عجير عليه.

                                                              ولكن قد رواه الإمام أحمد في "مسنده"، من حديث ابن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. وهذا أصح من حديث نافع بن عجير، ومن حديث ابن جريج. وقد صحح الإمام أحمد هذا السند في قصة رد زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع، وقال: الصحيح حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص بالنكاح الأول .

                                                              وهو بهذا الإسناد بعينه من رواية ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

                                                              وهكذا ذكر الترمذي والدارقطني أن رواية ابن إسحاق هي الصواب. وحكموا له على رواية حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، [ ص: 528 ] عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه بنكاح جديد ، وحجاج بن أرطاة أعرف من نافع بن عجير ومن معه. وبالجملة فأبو داود لم يتعرض لحديث محمد بن إسحاق ولا ذكره. والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية