الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( فائدة ) بحث الحاكم عن الشهود عند الريبة والتهمة حق واجب في حقوق الله وحقوق عباده ، فإن بحث على حسب إمكانه فلم تزل الريبة والتهمة لزمه القضاء ; لأنه بذل ما في وسعه ، وهذا مشكل عند قيام الشك مع تساوي الطرفين ، عند غلبة كذب الشهود على ظنه .

فإن قيل : إذا شهد الوالد لولده أو العدو على عدوه أو الفاسق بما يعلمونه من الحق ، والحاكم لا يشعر بالولادة والفسوق والعداوة فهل يأثم الشهود بذلك ؟ قلت : هذا مختلف فيه والمختار جوازه ; لأنهم لم يحملوا الحاكم على باطل ، وإنما حملوه على إيصال الحق للمستحق ، وإنما ردت شهادة هؤلاء للتهم ; لأن التهمة مانعة للحاكم من جهة قدحها في ظنه ، وههنا لا إثم على الحاكم لتوفر ظنه ، ولا على الخصم ; لأخذ حقه ، ولا على الشاهد لمعونته .

فإن قيل : ما تقولون فيمن له حق على إنسان فاستعان على أخذه ببعض الولاة والقضاة فساعداه عليه بغير حجة شرعية ، فهل يجوز له أن يستعين بالوالي والقاضي على ذلك مع كون الوالي والقاضي آثمين في أخذهما الحق بغير حجة شرعية ؟ قلت : أما الوالي والقاضي فآثمان .

وأما المستعين بهما فينبغي أن ينظر فيه إلى الحق المستعان عليه وله رتب .

[ ص: 42 ] أحدها : أن يكون الحق جارية استحل غاصبها بضعها فلا أرى بأسا بالاستعانة بالوالي والقاضي ، وإن عصيا ، بل ذلك واجب عند القدرة عليه ; لأن مفسدة معصية الوالي والقاضي دون مفسدة الغصب والزنا ، وكذلك لو غصب إنسان على زوجته فاستعان على تخليصها بالوالي والقاضي فلا إثم عليه مع كون القاضي والوالي عاصيين ; لأن مفسدة بقائها مع من يزني بها أعظم من مفسدة مساعدة الوالي والقاضي بغير حجة شرعية .

وكذلك لو استعان بالآحاد وأعانوه بمجرد دعواه فإنهم يأثمون بذلك ولا يأثم المستعين بهم ; لأن مفسدة مخالفتهم الشرع في مثل هذا دون المفسدتين المذكورتين .

الرتبة الثانية : إذا استعان بالولاة أو بالقضاة أو بالآحاد على رد المغصوب من غاصبه أو المجحود من جاحده فأعانوه على تخليص ذلك من غير حجة شرعية مثل أن غصب إنسان دابته وثيابه وسلاحه ومنزله وماعونه أو جحده ذلك من غير غصب فاستعان بهم فأعانوه فإنهم يأثمون على إعانته بغير حجة شرعية ولا إثم عليه في ذلك ; لأن مفسدة بقاء ذلك بيد للغاصب والجاحد أعظم من مفسدة عصيانهم ; لأن الذي صدر منهم مجرد معصية لا مفسدة فيها ، والذي صدر من الغاصب والجاحد عصيان مع تحقق المفسدة ، وقد يجوز إجابة العاصي على معصيته لا من جهة كونها معصية بل لما تضمنته الإعانة من المصلحة كما ذكرناه في فداء الأسرى .

الرتبة الثالثة : أن يكون الحق حقيرا ككسرة أو ثمرة فهذا لا تجوز الاستعانة على تخليصه بغير حجة شرعية ; لأن معصية مفسدة المساعد عليه تربى على مفسدة فواته .

التالي السابق


الخدمات العلمية