الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفرق بين العياذ واللياذ

قال ابن كثير: الاستعاذة: هي الالتجاء إلى الله، والالتصاق بجانبه من شر كل ذي شر.

والعياذ: وهو يكون لدفع الشر، واللياذ لطلب الخير، انتهى.

قال في «فتح المجيد»: هي من العبادات التي أمر الله تعالى عباده بها، كما قال سبحانه: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم [فصلت: 36]، وأمثال ذلك في القرآن كثير، كقوله تعالى: أعوذ برب الفلق [الفلق: 1] أعوذ برب الناس [الناس: 1]فمن صرف شيئا من هذه العبادة لغير الله فقد جعله شريكا لله في عبادته، فنازع الرب في إلهيته.

كما أن من صلى لله، وصلى لغيره، يكون عابدا لغير الله، ولا فرق، وسيأتي تقريره - إن شاء الله تعالى -.

قال تعالى: وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا [الجن: 6] وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد قفر، وخاف على نفسه، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد: كبير الجن.

قال مجاهد: كانوا إذا هبطوا واديا يقولون: نعوذ بعظيم هذا الوادي، فزادوا الكفار طغيانا.

قال ابن كثير: لما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، زادوهم خوفا، وإرهابا، وذعرا، حتى يبقوا أشد منهم مخافة، وأكثر تعوذا بهم.

كما قال قتادة: كان الرجل يخرج بأهله، فيأتي الأرض، فينزلها، فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر فيه، أو مالي، أو ولدي، أو ماشيتي.

[ ص: 257 ] قال: فإذا عاذ بهم من دون الله، أرهقتهم الجن الأذى عند ذلك.

ذكر عن عكرمة نحو ذلك. انتهى.

قال في «فتح المجيد»: قد أجمع العلماء على أنه لا يجوز الاستعاذة بغير الله.

وقال: على القارئ بالجن، فقد ذم الله الكافرين على ذلك وذكر الآية. وقال تعالى: يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس [الأنعام: 128] الآية.

فاستمتاع الإنسي بالجني في قضاء حوائجه، وامتثال أوامره، وإخباره بشيء من المغيبات، هو تعظيمه إياه، واستعاذته به، وخضوعه له. انتهى.

وفيه: أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية؛ من كف شر، أو جلب خير، لا يدل على أنه ليس من الشرك.

وعن خولة بنت حكيم، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلا، فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» رواه مسلم.

فيه: أن الله شرع لأهل الإسلام أن يستعيذوا به بدلا عما يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن.

قال بعض العلماء: لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك، سواء كان جنا أو غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية