الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
وكذا اختلف في ابتداء مرضه ثم مدته ثم وقت وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم . فأما الأول : فقال الخطابي : إنه يوم الاثنين أو يوم السبت . وقال أبو أحمد الحاكم : إنه يوم الأربعاء .

وأما الثاني فالأكثر أنها ثلاثة عشر يوما ، وقيل : بزيادة يوم ، وقيل : بنقصه . والقولان في ( الروضة ) ، وصدر بالثاني ، وقيل : عشرة أيام . وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه ، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح .

وأما الثالث فقال ابن الصلاح : إنه ضحى . وفي الصحيحين من حديث أنس : آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث . وفيه : فألقى السجف ، وتوفي من آخر ذلك اليوم .

وهو دال على أنه تأخر بعد الضحى ، ويجمع بينهما بأن المراد أول النصف الثاني ، فهو آخر وقت الضحى ، وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني ، وإلى ذلك أشارت عائشة ، كما رواه ابن عبد البر من حديثها فقالت : ( مات رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإنا لله وإنا إليه راجعون - ارتفاع الضحى [ ص: 319 ] وانتصاف النهار ) . ونحوه قول موسى بن عقبة في مغازيه عن ابن شهاب : ( توفي يوم الاثنين حيث زاغت الشمس ) . وكذا أخرج ابن شاهين في ( الناسخ والمنسوخ ) له عن علي مثله .

وأما الرابع فقيل : إنه ساعة وفاته وهي حين زاغت الشمس من يوم الاثنين ، وقال الحاكم في ( الإكليل ) : إنه أصح الأقوال وأثبتها . وقيل : ليلة الثلاثاء . رواه سيف عن هشام ، عن أبيه ، وحكاه الحاكم ، وقيل : عند الزوال من يوم الثلاثاء . رواه البيهقي عن ابن عباس وابن شاهين في الناسخ عن علي ، ولفظه : أنه دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس . وصدر به الحاكم وابن عبد البر كلامهما ، ونحوه قول الأوزاعي كما عند البيهقي : توفي يوم الاثنين في ربيع الأول قبل أن ينتصف النهار ودفن يوم الثلاثاء . وقول ابن جريج كما عند أحمد والبيهقي : ( أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ، ودفن الغد في الضحى ) ، وقيل : ليلة الأربعاء . كما في خبر عند ابن إسحاق والبيهقي من طريقه بسنده عن عائشة قالت : ( ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء ) .

وكذا رواه أحمد من وجه آخر عن عائشة قالت : ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ودفن ليلة الأربعاء ) . وعند البيهقي من مرسل أبي جعفر أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار ، وكذا ذكر ابن سعد عن عكرمة أنه توفي يوم الاثنين فحبس بقية يومه وليلته ومن الغد حتى دفن من الليل ، وحكاه الحاكم ، وهو المشهور الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفا وخلفا ، منهم سليمان التيمي وجعفر الصادق وابن إسحاق وموسى بن عقبة ، وصححه من المتأخرين ابن كثير .

وقيل : يوم الأربعاء كما أسنده ابن سعد أيضا عن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده قال : ( توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث يوم الاثنين والثلاثاء حتى دفن يوم الأربعاء ) . وهكذا هو عند البيهقي من طريق معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه ، قال : ( لما فرغوا من غسله صلى الله عليه وسلم [ ص: 320 ] وتكفينه وضعوه حيث توفي فصلى عليه الناس يوم الاثنين والثلاثاء ودفن يوم الأربعاء .

وقيل : كما رواه البيهقي من مرسل مكحول وفيه : ( ثم توفي فمكث ثلاثة أيام لا يدفن ، يدخل عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون عليه تدخل العصبة تصلي وتسلم ، لا يصفون ، ولا يصلي بين يديهم مصل ، حتى فرغ من يريد ذلك ثم دفن . وهو غريب . وقيل : إنه إنما أخر للاشتغال بأمر البيعة ; ليكون لهم إمام يرجعون إلى قوله ; لئلا يؤدي إلى نزاع واختلاف ، لا سيما في محل دفنه ، وهل يكون لحدا أو شقا . ( وقبضا ) أي : مات ، ( عام ثلاث عشر ) بسكون ثانيه أيضا بالتنوين هناك ودونه هنا من الهجرة ، أبو بكر الصديق ( التالي ) للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستخلاف والوفاة ، ( الرضا ) أي : المرضي عند الله ورسوله وصالح المؤمنين بلا خلاف أيضا في السنة ، قيل : في جمادى الأولى منها . وهو قول الواقدي والفلاس ، وبه جزم ابن الصلاح والمزي ، وقيل : في جمادى الآخرة . وبه جزم ابن إسحاق وابن زبر وابن قانع وابن حبان وابن عبد البر وابن الجوزي والذهبي في ( العبر ) ، وقيل : في ربيع الأول لليلة خلت منه . رواه البغوي ، من طريق الليث ، والقائلون بالأول اختلفوا في اليوم ، فقيل : يوم الاثنين . وقيل : لليلة الثلاثاء لثمان بقين منه . رواه ابن أبي الدنيا في الخلفاء له من طريق عروة عن عائشة ، بل رويت وفاته في مساء ليلة الثلاثاء في صحيح [ ص: 321 ] البخاري ، وأنه دفن قبل أن يصبح من حديث وهيب ، عن هشام ، عن أبيه ، وقيل : لثلاث بقين منه . والقائلون بالثاني اختلفوا أيضا ، فقال ابن حبان : في ليلة الاثنين لسبع عشرة مضت منه ، وقال ابن إسحاق : يوم الجمعة لسبع ليال بقين منه . وقال الباقون : لثمان بقين منه . وحكاه ابن عبد البر عن أكثر أهل السير ، لكن منهم من قال : عشية يوم الاثنين أو يوم الثلاثاء أو عشية ليلة الثلاثاء . زاد ابن الجوزي : بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء ، وقيل : يوم الاثنين . وقيل : لثلاث بقين منه ، شهيدا ; لقول ابن سعد ، عن ابن شهاب الزهري ، أن أبا بكر والحارث بن كلدة أكلا خزيرة ، أهديت لأبي بكر ، فقال الحارث وكان طبيبا : ارفع يدك ، والله إن فيها لسم سنة ، فلم يزالا عليلين حتى ماتا عند انقضاء السنة في يوم واحد ، ودفن مع صاحبه ببيت عائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية