الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الولي

                                                                      2083 حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له حدثنا القعنبي حدثنا ابن لهيعة عن جعفر يعني ابن ربيعة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال أبو داود جعفر لم يسمع من الزهري كتب إليه [ ص: 78 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 78 ] المراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ، ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور ، وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولي أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان . قاله في النيل . وقال علي القاري الحنفي الولي هو العصبة على ترتيبهم بشرط حرية وتكليف ثم الأم ثم ذو الرحم الأقرب فالأقرب ثم مولى الموالاة ثم القاضي .

                                                                      ( أيما امرأة نكحت ) : أي نفسها وأيما من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن من غير تخصيص ببعض دون بعض ( بغير إذن مواليها ) : أي أوليائها ( فنكاحها باطل ثلاث مرات ) : أي قال كلمة فنكاحها باطل ثلاث مرات ( فإن دخل ) : أي الذي نكحته بغير إذن وليها ( فالمهر لها بما أصاب منها ) : وفي رواية الترمذي " فلها المهر بما استحل من فرجها " ( فإن تشاجروا ) : أي تنازع الأولياء واختلفوا بينهم ، والتشاجر الخصومة ، والمراد المنع من العقد دون المشاحة في السبق إلى العقد ، فأما إذا تشاجروا في العقد ومراتبهم في الولاية سواء فالعقد لمن سبق إليه منهم إذا كان ذلك نظرا منه في مصلحتها . قاله في [ ص: 79 ] المجمع ( فالسلطان ولي من لا ولي له ) : لأن الولي إذا امتنع من التزويج فكأنه لا ولي لها فيكون السلطان وليها وإلا فلا ولاية للسلطان مع وجود الولي .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي ، وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال في موضع آخر وحديث عائشة في هذا الباب عن النبي لا نكاح إلا بولي وهو عندي حديث حسن ولم يؤثر عند الترمذي إنكار الزهري له ، فإن الحكاية في ذلك عن الزهري قد وهنها بعض الأئمة .

                                                                      قال البيهقي : ما في مذهب أهل العلم بالحديث من وجوب قبول خبر الصادق وإن نسيه من أخبره عنه . وقال علي بن المديني حديث إسرائيل صحيح في لا نكاح إلا بولي وسئل عنه البخاري فقال الزيادة من الثقة مقبولة وإسرائيل ثقة فإن كان شعبة والثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث انتهى .

                                                                      وقال في النيل : وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل ، وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي ، وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال : ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا ، وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته إياه عن سليمان بن موسى ، وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري . قال : ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وقد أهل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه انتهى .

                                                                      والحديث يدل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي . [ ص: 80 ] واختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح ، فالجمهور على اشتراطه ، وحكي عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك ، وذهبت الحنفية إلى أنه لا يشترط مطلقا ، واحتجوا بحديث ابن عباس " الأيم أحق بنفسها من وليها " الحديث ، وفي لفط لمسلم البنت أحق بنفسها من وليها والجواب ما قال ابن الجوزي في التحقيق أنه أثبت لها حقا وجعلها أحق لأنه ليس للولي إلا مباشرة ولا يجوز له أن يزوجها إلا بإذنها .

                                                                      كذا في تخريج الهداية للزيلعي . والحق أن النكاح بغير الولي باطل كما يدل عليه أحاديث الباب .

                                                                      ( جعفر ) : أي ابن ربيعة ( لم يسمع من الزهري ) : هو ابن شهاب ( كتب ) : أي الزهري ( إليه ) : أي إلى جعفر .




                                                                      الخدمات العلمية