الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 197 ] اعلم أنه ما خسر على الله أحد فإن إبراهيم - عليه السلام - لما اعتزلهم في دينهم ، وفي بلدهم واختار الهجرة إلى ربه إلى حيث أمره لم يضره ذلك دينا ودنيا ، بل نفعه فعوضه أولادا أنبياء ، ولا حالة في الدين والدنيا للبشر أرفع من أن يجعل الله له رسولا إلى خلقه ويلزم الخلق طاعته والانقياد له مع ما يحصل فيه من عظيم المنزلة في الآخرة ، فصار جعله تعالى إياهم أنبياء من أعظم النعم في الدنيا والآخرة ، ثم بين تعالى أنه مع ذلك وهب لهم من رحمته أي وهب لهم من النبوة ما وهب ، ويدخل فيه المال والجاه والأتباع والنسل الطاهر والذرية الطيبة ثم قال : ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) ولسان الصدق الثناء الحسن وعبر باللسان عما يوجد باللسان ، كما عبر باليد عما يعطى باليد وهو العطية ، واستجاب الله دعوته في قوله : ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [ الشعراء : 84 ] فصيره قدوة حتى ادعاه أهل الأديان كلهم ، وقال عز وجل : ( ملة أبيكم إبراهيم ) ، ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) [ النحل : 123 ] قال بعضهم : إن الخليل اعتزل عن الخلق على ما قال : ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) فلا جرم بارك الله في أولاده فقال : ( وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه تبرأ من أبيه في الله تعالى على ما قال : ( فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) [ التوبة : 114 ] لا جرم أن الله سماه أبا للمسلمين فقال : ( ملة أبيكم إبراهيم ) [الحج : 78] .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : تل ولده للجبين ليذبحه على ما قال : ( فلما أسلما وتله للجبين ) [ الصافات : 103 ] لا جرم فداه الله تعالى على ما قال : ( وفديناه بذبح عظيم ) [ الصافات : 107 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أسلم نفسه فقال : ( أسلمت لرب العالمين ) [ البقرة : 131 ] فجعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما فقال : ( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) [ الأنبياء : 69 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : أشفق على هذه الأمة فقال : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) [ البقرة : 129 ] لا جرم أشركه الله تعالى في الصلوات الخمس ، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : في حق سارة في قوله : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] لا جرم جعل موطئ قدميه مباركا : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة : 125 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وسابعها : عادى كل الخلق في الله فقال : ( فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) [ الشعراء : 77 ] لا جرم اتخذه الله خليلا على ما قال : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) [ النساء : 125 ] ليعلم صحة قولنا أنه ما خسر على الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية