الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فعلى هذا - يعني إذا شرطنا النصاب - إذا وجد مائة درهم ، ثم وجد مائة أخرى ، لم يجب الخمس في واحد منهما ، وإن وجد دون [ ص: 58 ] النصاب وعنده نصاب من جنسه - نظرت فإن وجد الركاز مع تمام الحول في النصاب الذي عنده - ضمه إلى ما عنده وأخرج الخمس من الركاز وربع العشر من النصاب ; لأن الحول لا يعتبر في الركاز فيصير الركاز مع النصاب كالزيادة مع نصاب حال الحول عليهما . وإن وجده بعد الحول على النصاب ضمه عليه ; لأن الحول قد حال على ما معه .

                                      والركاز كالزيادة التي حال عليها الحول ، وإن وجده قبل الحول على النصاب لم يخمس ; لأن الركاز كبعض نصاب حال عليه الحول ، وإذا تم حول البعض ولم يتم حول الباقي لم تجب الزكاة ، فإذا تم حول النصاب أخرج زكاته ، وإذا تم حول الركاز من حين وجده أخرج عنه ربع العشر وسقط الخمس . فأما إذا كان الذي معه أقل من النصاب فإن كان وجد الركاز قبل تمام الحول على ما معه لم يضم إليه ، بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب ، فإذا تم الحول أخرج الزكاة ، وإن وافق وجود الركاز حال حول الحول ، فالمنصوص في " الأم " : أنه يضم إلى ما عنده . فإذا بلغ النصاب أخرج من الركاز الخمس ، ومن الذي معه ربع العشر ; لأن الركاز لا يعتبر فيه الحول فيجعل كالموجود معه في جميع الحول ، ومن أصحابنا من قال : لا يضم بل يستأنف الحول عليهما من حين تم النصاب ، فإذا حال الحول أخرج عنهما ربع العشر ) .

                                      [ ص: 59 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الفصل إلى آخر الباب سبق شرحه واضحا في فصل المعدن ، واتفق أصحابنا على أن حكم الركاز والمعدن في تتميم النصاب وجميع هذه التفريعات سواء ، وفاقا وخلافا بلا فرق ، هذا إذا شرطنا النصاب كما ذكره المصنف ، ولكن في كلام المصنف مواضع جزم بها على خلاف الأصح ، وقد بيناه هناك ، فالمذهب الذي عليه الاعتماد : ما أوضحناه هناك ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على هذه المسألة التي ذكرها المصنف أنه إذا وجد من الركاز مائة درهم ، ثم وجد مائة أخرى : أنه لا يجب الخمس في واحد منهما ، بل ينعقد الحول عليهما من حيث كمل النصاب ، فإذا تم لزمه ربع العشر كسائر النقود التي يملكها ، وهذا تفريع على المذهب وهو اشتراط النصاب في الركاز ، والله أعلم .



                                      [ ص: 59 ] فرع مسائل تتعلق بالركاز حكم الذمي في الركاز .

                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالركاز ( إحداها ) قال أصحابنا : حكم الذمي في الركاز حكمه في المعدن كما سبق . فلا يمكن من أخذه في دار الإسلام . فإن وجده ملكه على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه قدمناه عن حكاية صاحب " الحاوي " أنه لا يملكه . وهو احتمال لإمام الحرمين ; لأنه كالحاصل للمسلمين . فهو كمالهم الضائع . فإذا قلنا بالمذهب فأخذه ، ففي أخذ حق الركاز منه الخلاف السابق في حق المعدن .



                                      ( الثانية ) لو وجد في ملكه ركاز فلم يدعه . وادعاه اثنان فصدق أحدهما . سلم إليه . ذكره الدارمي عن ابن القطان . وقاله غيرهما ، وهو ظاهر .



                                      ( الثالثة ) إذا وجد من الركاز دون النصاب . وله دين يجب فيه الزكاة يبلغ به نصابا . وجب خمس الركاز في الحال ، فإن كان ماله غائبا أو مدفونا أو وديعة أو دينا - والركاز ناقص - لم يخمس حتى يعلم سلامة ماله وحينئذ يخمس الركاز الناقص عن النصاب ، سواء بقي المال أم تلف إذا علم وجوده يوم حصول الركاز .



                                      ( الرابعة ) قال الشافعي والأصحاب : يجب صرف خمس الركاز مصرف الزكوات ، وهو زكاة . ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور في الطريقتين ، وحكى الخراسانيون قولا أنه يصرف مصرف خمس خمس الفيء . وحكاه صاحب " الحاوي " والقاضي أبو الطيب ومن تابعهما وجها عن المزني وأبي حفص بن الوكيل من أصحابنا .



                                      ( الخامسة ) قال الماوردي والدارمي : إذا وجد ركازا فأخرج خمسه ، ثم أقام رجل بينة أنه ملكه ، فلصاحب البينة استرجاع الركاز من واجده مع خمسه المخرج . وللواجد أن يرجع بالخمس على الإمام إن كان دفعه إليه . وللإمام أن يرجع به على أهل السهمان إن كان باقيا في أيديهم ، فإن لم يكن باقيا في أيديهم أو كان تالفا في يد الإمام بغير تفريط ضمنه في مال الزكاة . وإن تلف في يده بتفريط أو خيانة ضمنه في ماله .



                                      [ ص: 60 ] السادسة ) في مذهب العلماء في مسائل من الركاز ذكرنا : أن الصحيح في مذهبنا اشتراط النصاب . وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يشترط وهو أصح الروايتين عن مالك ، وحكاه ابن المنذر عن مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي ، قال : وبه قال جل أهل العلم . قال وهو أولى بظاهر الحديث .

                                      والمشهور من مذهبنا : أنه لا يجب حق الركاز في غير ذهب وفضة . وقال أبو حنيفة : يجب في كل موجود ركاز وهو أصح الروايتين عن مالك وأحمد . ونقله ابن المنذر عن مالك وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي وجماهير العلماء قال : وبه أقول ، وأما الذمي فقد قدمنا أن المشهور من مذهبنا : أنه لا شيء عليه في الركاز وهو المعروف من نصوص الشافعي والأصحاب . ونقل ابن المنذر الإجماع على أن عليه الخمس كالمسلم . ونقله عن الشافعي وغيره كما قدمنا حكايته عن ابن المنذر .

                                      والركاز الموجود في موات دار أهل العهد يملكه واجده عندنا كموات دار الإسلام . قال العبدري : وبهذا قال أكثر الفقهاء . قال مالك : يكون لأهل الأرض لا للواجد ، وأما الموجود في دار أهل الحرب فركاز عندنا وعند الباقين ، لكن يجب فيه الخمس عندنا وعند الجمهور . وقال أبو حنيفة : هو غنيمة ولا شيء فيه ، بل كله لواجده بناء على أصله أن من غنم وحده فلا خمس عليه ، ومصرف الركاز مصرف الزكاة عندنا . وقال أبو حنيفة : مصرف الفيء ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال المزني وابن الوكيل من أصحابنا كما سبق قريبا .

                                      والركاز الموجود في دار أو أرض مملوكة يكون لساكنه عندنا إذا ادعاه كما سبق ، وبه قال أبو حنيفة ومحمد . وقال الحسن بن صالح وأبو يوسف وأبو ثور : يكون لواجده ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية