الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          350 - مسألة : والعراة بعطب ، أو سلب ، أو فقر : يصلون كما هم في جماعة في صف خلف إمامهم ، يركعون ، ويسجدون ، ويقومون ، ويغضون أبصارهم . ومن تعمد في صلاته ; تأمل عورة رجل ، أو امرأة محرمة عليه : بطلت صلاته ; فإن تأملها ناسيا لم تبطل صلاته ، ولزمه سجود السهو . فإن تأمل عورة امرأته ، فإن ترك الإقبال على صلاته عامدا لذلك : بطلت صلاته ; كما لو فعل ذلك لسائر الأشياء ولا فرق ; وإن لم يترك لذلك الإقبال على صلاته : فصلاته تامة ، ولا شيء عليه . برهان ذلك - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . فإذ هم غير مكلفين ما لا يقدرون عليه من ستر العورة : فهم مخاطبون بالصلاة كما يقدرون ، وبالإمامة فيها في جماعة ; فسقط عنهم ما لا يقدرون عليه ، وما ليس في وسعهم ، وبقي عليهم ما يستطيعون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . وأما من تأمل في صلاته عورة - لا يحل له النظر إليها - : فإن صلاته تبطل لأنه عمل فيها عملا لا يحل له ; فلم يصل كما أمر ، ومن لم يصل كما أمر فلم يأت بالصلاة التي أمره الله تعالى بها ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . [ ص: 256 ] فإن فعل ذلك ناسيا فعليه سجود السهو ; لأنه زاد في صلاته نسيانا ما لو عمده لبطلت صلاته . وأما إذا تأمل عورة أبيح له النظر إليها فهي من جملة الأشياء التي لا بد له من وقوع النظر على بعضها في الصلاة ; ولا فرق بين مباح ومباح . فإن اشتغل بشيء من ذلك كله عن صلاته عمدا فقد عصى الله تعالى ، ولم يصل كما أمر - وبالله تعالى التوفيق . وقال أبو حنيفة : يصلي العراة فرادى قعودا يومئون للسجود والركوع فإن صلوا جماعة أجزأهم إلا أنهم يقعدون ويقعد الإمام في وسطهم . وقال بعض العلماء بقوله : أنهم إن صلوا قياما أجزأهم عند أبي حنيفة وأصحابه . وقال مالك : يصلون فرادى ، يتباعد بعضهم عن بعض قياما ، فإن كانوا في ليل مظلم صلوا في جماعة قياما ، يقف إمامهم أمامهم . وقال الشافعي : يصلي العراة فرادى ، أو جماعة قياما يركعون ويسجدون ويقوم إمامهم وسطهم ، ويغضون أبصارهم ; ويصرف الرجال وجوههم عن النساء ، والنساء وجوههن عن الرجال ، ولا إعادة على أحد منهم . وقال زفر بن الهذيل : يصلون قياما يركعون ويسجدون ، ولا يجزيهم غير ذلك - وقال أبو سليمان كقولنا . قال علي : قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي خطأ ; لأنها أقوال لم تخل من إسقاط أن يصلوا جماعة وهذا لا يجوز . أو من إسقاط القيام والركوع والسجود ، وهذا باطل . أو من إسقاط حق الإمام في تقدمه ; وهذا لا يجوز . وغض البصر يسقط كل ما شغبوا به في هذه الفتيا . وقول أبي حنيفة أكثرها تناقضا . والعجب أنهم بكل ذلك لا يوارون جميع عوراتهم من الأفخاذ وغيرها ، فكيف والنص قد ورد بما قلنا . [ ص: 257 ] حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن شاذان ثنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو هو الرقي - عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { يا معشر النساء ، إذا سجدتن فاحفظوا أبصاركم ، لا ترين عورات الرجال ; من ضيق الأزر } . قال علي : هكذا في كتابي عن حمام ، وبالله ما لحن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا أن ممكنا أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ومن معهن من صغار أولادهن لما كتبناه إلا " فاخفضن أبصاركن " . فهذا نص على أن الفقراء من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ، وليس معهم من اللباس ما يواري عورتهم ، ولا يتركون القعود ولا الركوع ولا السجود ; إلا أن الأمر بغض البصر لازم في كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية