الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم

عطف على جملة وقال الذين كفروا للذين آمنوا الآية ، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالوا سحر مبين وقالوا افتراه ، وقالوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وبقي أن يقولوا هو إفك قديم .

وقد نبه الله على أن مزاعمهم كلها ناشئة عن كفرهم واستكبارهم بقوله قال الذين كفروا ، وقوله وكفرتم به ، وقوله واستكبرتم ، وقوله وإذ لم يهتدوا به الآية .

وإذ قد كانت مقالاتهم رامية إلى غرض واحد وهو تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان توزيع أسبابها على مختلف المقالات مشعرا بأن جميعها أسباب لجميعها .

[ ص: 23 ] وضمير به عائد إلى القرآن واسم الإشارة راجع إليه .

ومعنى الآية : وإذ لم تحصل هدايتهم بالقرآن فيما مضى فسيستمرون على أن يقولوا هو إفك قديم إذ لا مطمع في إقلاعهم عن ضلالهم في المستقبل . ولما كانت إذ ظرفا للزمن الماضي وأضيفت هنا إلى جملة واقعة في الزمن الماضي كما يقتضيه النفي بحرف ( لم ) تعين أن الإخبار عنه بأنهم سيقولون هذا إفك أنهم يقولونه في المستقبل ، وهو مؤذن بأنهم كانوا يقولون ذلك فيما مضى أيضا لأن قولهم ذلك من تصاريف أقوالهم الضالة المحكية عنهم في سور أخرى نزلت قبل هذه السورة ، فمعنى فسيقولون سيدومون على مقالتهم هذه في المستقبل .

فالاستقبال زمن للدوام على هذه المقالة وتكريرها ، مثله في قوله - تعالى - حكاية عن إبراهيم وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين فإنه قد هداه من قبل ، وإنما أراد سيديم هدايته إياي .

فليس المقصود إخبار الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم ( سيقولون هذا ) ولم يقولوه في الماضي إذ ليس لهذا الإخبار طائل . وإذ قد حكي أنهم قالوا ما يرادف هذا في آيات كثيرة سابقة على هذه الآية وأنهم لا يقلعون عنه ، ولا حاجة إلى تقدير فعل محذوف تتعلق به ( إذ ) .

وحيث قدم الظرف في الكلام على عامله أشرب معنى الشرط وهو إشراب وارد في الكلام ، وكثير في ( إذ ) ، ولذلك دخلت الفاء في جوابه هنا في قوله فسيقولون . ويجوز أن تكون ( إذ ) للتعليل ، وتتعلق ( إذ ) بـ " يقولون " ولا تمنع الفاء من عمل ما بعدها فيما قبلها على التحقيق . وإنما انتظمت الجملة هكذا لإفادة هذه الخصوصيات البلاغية ، فالواو للعطف ، والمعطوف في معنى شرط والفاء لجواب الشرط . وأصل الكلام : وسيقولون هذا إفك قديم إذ لم يهتدوا به !

وهذا التفسير جار على ما اختاره ابن الحاجب في الأمالي دون ما ذهب إليه صاحب الكشاف ، فإنه تكلف له تكلفا غير شاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية