الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4619 باب ما ذكر في فارس

                                                                                                                              وقال النووي : (باب فضل فارس) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص101 ج16 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : كنا جلوسا عند النبي ، [ ص: 35 ] صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إذ نزلت عليه سورة الجمعة . فلما قرأ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، قال رجل : من هؤلاء ؟ يا رسول الله ! فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى سأله مرة أو مرتين ، أو ثلاثا . قال : وفينا سلمان الفارسي . قال : فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يده على سلمان ، ثم قال : "لو كان الإيمان عند الثريا ، لناله رجال من هؤلاء" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : فيه فضيلة ظاهرة لهم . وجواز استعمال المجاز والمبالغة ، في مواضعها . انتهى) .

                                                                                                                              قلت : احتج به بعض الحنفية : على فضيلة إمامهم "أبي حنيفة" : نعمان بن ثابت ، الكوفي . رحمه الله تعالى . وهو احتجاج ضعيف جدا ، لا ينطبق على دعواهم . لأن "هؤلاء" : إشارة إلى "أهل فارس" كسلمان الفارسي رضي الله عنه . وأصل الإمام -كما قيل- من كابل . وكابل ليس من بلاد الفرس . وأيضا يخالفه لفظة : "رجال" بصيغة الجمع . وأقل الجمع : "اثنان" ، لا واحد . نعم ، فيه فضيلة أهل الحديث ، الذين خرجوا من فارس العجم . وهم رجال كثيرون طيبون . ومنهم : غالب أصحاب الأمهات الست .

                                                                                                                              وذكر "الثريا" : دليل على اكتسابهم الإيمان ، من مكان بعيد . وليس على وجه البسيطة : من حصل الإيمان -من موضع شاسع ، ومحل

                                                                                                                              [ ص: 36 ] باعد- : بجمع السنن والأحاديث ، ونزع الأخبار والآثار ، من معادنها : غير أهل الحديث النبوي . تظاهرت بذلك : كتب طبقاتهم ، وصحف أسفارهم . حتى إن واحدا منهم سافر في طلب حديث واحد : إلى مسيرة شهر ، أو زيادة عليها . فكأنهم نالوا الإيمان من عند الثريا ، الذي هو أبعد المكان . وإنك لا تجد أبدا : سوادا واحدا من أسودة الفقهاء "أهل الرأي والقياس" : أتعب نفسه في كسب العلم السني ، هذا التعب ، أو بلغ في دركه من مواضعه ومعادنه : هذا المبلغ .

                                                                                                                              فهذا الحديث : لا مصداق له -إن شاء الله تعالى- إلا عصابة الحديث ، وجماعة السنة : في القديم والحديث .

                                                                                                                              وفي هذا : معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومنقبة باهرة : للبخاري ، ومسلم ، وأمثالهما : ممن تصدى لعلم الأخبار ، ورواية الآثار ، ونقل السنن من الرجال الأخيار ، والرواة الأبرار ، والحملة الأطهار . وأصلهم : من فارس وبلاده . والله يختص برحمته من يشاء من عباده .




                                                                                                                              الخدمات العلمية