الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام

                                                                                                                1221 حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي أحججت فقلت نعم فقال بم أهللت قال قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فقد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل قال فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ثم أهللت بالحج قال فكنت أفتي به الناس حتى كان في خلافة عمر رضي الله عنه فقال له رجل يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس رويدك بعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك فقال يا أيها الناس من كنا أفتيناه فتيا فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فأتموا قال فقدم عمر رضي الله عنه فذكرت ذلك له فقال إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله وحدثناه عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة في هذا الإسناد نحوه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب جواز تعليق الإحرام )

                                                                                                                " وهو أن يحرم بإحرام كإحرام فلان فيصير محرما بإحرام مثل إحرام فلان "

                                                                                                                في الباب حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : أحججت ؟ قال : فقلت : نعم ، فقال : بم أهللت ؟ قال : قلت : لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل ، قال : فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ثم أهللت بالحج ) في هذا الحديث فوائد منها جواز تعليق الإحرام ، فإذا قال : أحرمت بإحرام كإحرام زيد صح إحرامه ، وكان إحرامه كإحرام زيد . فإن كان زيد محرما بحج أو بعمرة أو قارنا كان المعلق مثله ، وإن كان زيد أحرم مطلقا كان المعلق مطلقا ، ولا يلزمه أن يصرف إحرامه إلى ما يصرف زيد إحرامه إليه ، فلو صرف زيد إحرامه إلى حج كان للمعلق صرف إحرامه إلى عمرة ، وكذا عكسه ، ومنها استحباب الثناء على من فعل جميلا لقوله صلى الله عليه وسلم : أحسنت .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل ) فمعناه أنه صار كالنبي صلى الله عليه وسلم وتكون وظيفته أن يفسخ حجه إلى عمرة فيأتي بأفعالها وهي الطواف والسعي والحلق ، فإذا فعل ذلك صار حلالا وتمت عمرته ، وإنما لم يذكر الحلق هنا ؛ لأنه كان مشهورا عندهم ويحتمل أنه داخل في قوله وأحل .

                                                                                                                وقوله : ( ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ) هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرما له .

                                                                                                                وقوله : ( ثم أهللت بالحج ) يعني أنه تحلل بالعمرة ، وأقام بمكة حلالا إلى يوم التروية وهو الثامن [ ص: 353 ] من ذي الحجة ، ثم أحرم بالحج يوم التروية كما جاء مبينا في غير هذه الرواية . فإن قيل قد علق علي بن أبي طالب وأبو موسى رضي الله عنهما إحرامهما بإحرام النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر عليا بالدوام على إحرامه قارنا ، وأمر أبا موسى بفسخه إلى عمرة فالجواب أن عليا رضي الله عنه كان معه الهدي كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الهدي فبقي على إحرامه كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم وكل من معه هدي ، وأبو موسى لم يكن معه هدي فتحلل بعمرة كمن لم يكن معه هدي ، ولولا الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم لجعلها عمرة ، وقد سبق إيضاح هذا الجواب في الباب الذي قبل هذا .

                                                                                                                قوله : ( ففلت رأسي ) هو بتخفيف اللام .

                                                                                                                قوله : ( رويدك بعض فتياك ) معنى ( رويدك ) ارفق قليلا وأمسك عن الفتيا ، ويقال فتيا وفتوى لغتان مشهورتان .

                                                                                                                قوله ( إن عمر رضي الله عنه قال : إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام ، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله ) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى : ظاهر كلام عمر هذا إنكار فسخ الحج إلى العمرة ، وأن نهيه عن التمتع إنما هو من باب ترك الأولى ؛ لأنه منع ذلك منع تحريم وإبطال ، ويؤيد هذا قوله بعد هذا : قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ، لكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك .




                                                                                                                الخدمات العلمية