الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الحائض تترك الصوم والصلاة وقال أبو الزناد إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من اتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة

                                                                                                                                                                                                        1850 حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني زيد عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها [ ص: 226 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 226 ] قوله : ( باب : الحائض تترك الصوم والصلاة ) قال الزين بن المنير ما محصله : إن الترجمة لم تتضمن حكم القضاء لتطابق حديث الباب ، فإنه ليس فيه تعرض لذلك ، قال : وأما تعبيره بالترك فللإشارة إلى أنه ممكن حسا ، وإنما تتركه اختيارا لمنع الشرع لها من مباشرته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو الزناد . . . إلخ ) قال الزين بن المنير : نظر أبو الزناد إلى الحيض فوجده مانعا من هاتين العبادتين ، وما سلب الأهلية استحال أن يتوجه به خطاب الاقتضاء ، وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب ، فلذلك استبعد الفرق بين الصلاة والصوم ، فأحال بذلك على اتباع السنة والتعبد المحض ، وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة من عائشة عن الفرق المذكور وأنكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم ، ولم تزدها على الحوالة على النص ، وكأنها قالت لها : دعي السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع .

                                                                                                                                                                                                        وقد تكلم بعض الفقهاء في الفرق المذكور ، واعتمد كثير منهم على أن الحكمة فيه أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة إلا مرة ، واختار إمام الحرمين أن المتبع في ذلك هو النص ، وأن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف ، والله أعلم . وزعم المهلب أن السبب في منع الحائض من الصوم أن خروج الدم يحدث ضعفا في النفس غالبا ، فاستعمل هذا الغالب في جميع الأحوال ، فلما كان الضعف يبيح الفطر ويوجب القضاء كان كذلك الحيض ، ولا يخفى ضعف هذا المأخذ ، فإن المريض لو تحامل فصام صح صومه بخلاف الحائض ، وأن المستحاضة في نزف الدم أسد من الحائض وقد أبيح لها الصوم . وقول أبي الزناد : إن السنن لتأتي كثيرا على خلاف الرأي كأنه يشير إلى قول علي : لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أحق بالمسح من أعلاه أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني ورجال إسناده ثقات ، ونظائر ذلك في الشرعيات كثير . ومما يفرق فيه بين الصوم والصلاة في حق الحائض أنها لو طهرت قبل الفجر ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل ، بخلاف الصلاة ، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الحيض مقتصرا على قوله : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ : " تمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين " الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية