الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 152 ] وإذا كان بأحد الزوجين عيب فلا خيار للآخر ( م ) إلا في الجب والعنة والخصي .

التالي السابق


فصل

[ عيوب الزوجية ]

( وإذا كان بأحد الزوجين عيب فلا خيار للآخر إلا في الجب والعنة والخصي ) أما عيوب المرأة فبإجماع أصحابنا ; لأن المستحق هو التمكين وإنه موجود ، والاستيفاء من الثمرات واختلاله بالعيوب لا يوجب الفسخ ; لأن الفوات بالموت لا يوجبه فهذا أولى .

وأما عيوب الرجل وهي الجنون والجذام والبرص فكذلك . وقال محمد : لها الخيار لأنه لا ينتظم بينهما المصالح فيثبت لها الخيار دفعا للضرر عنها بخلاف الزوج لأنه يقدر على دفعه بالطلاق وصار كالجب والعنة . ولهما أن الخيار يبطل حق الزوج فلا يثبت ، وإنما ثبت في الجب والعنة لإخلالهما بالمقصود من النكاح ، والعيوب لا تخل به .

[ ص: 153 ] والعنين الذي لا يصل إلى النساء ، أو يصل إلى الثيب دون الأبكار ، أو يصل إلى غير زوجته ولا يصل إليها ، وتكون العنة لمرض أو ضعف أو كبر سن ، أو من أخذ بسحر ; فإذا كان الزوج عنينا وخاصمته المرأة في ذلك أجله القاضي سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما إن طلبت المرأة ذلك ; لأن لها حقا في الوطء فلها المطالبة به ، ويجوز أن يكون ذلك لمرض ، ويحتمل أن يكون لآفة أصلية فجعلت السنة معرفة لذلك لاشتمالها على الفصول الأربعة ، فإن كان المرض من برودة أزاله حر الصيف ، وإن كان من رطوبة أزاله يبس الخريف ، وإن كان من حرارة أزاله برد الشتاء ، وإن كان من يبس أزاله رطوبة الربيع على ما عليه العادة ، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - ، فإذا مضت السنة ولم يصل إليها علم أنه لآفة أصلية فتخير .

فإن اختارت نفسها قال أبو يوسف ومحمد : بانت ، وهو ظاهر الرواية .

وروى الحسن عن أبي حنيفة لا تبين إلا بتفريق القاضي ، وهو المشهور من مذهبه . لهما أن الشرع خيرها عند تمام الحول دفعا للضرر عنها فلا يحتاج إلى تفريق القاضي كما إذا خيرها الزوج . وله أن النكاح عقد لازم وملك الزوج فيه معصوم فلا يزول إلا بإزالته دفعا للضرر عنه ، لكن لما وجب عليه الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان وقد عجز عن الأول بالعنة ولا يمكن القاضي النيابة فيه فوجب عليه التسريح بالإحسان ، فإذا امتنع عنه ناب القاضي منابه ; لأنه نصب لدفع الظلم فلا تبين بدون تفريق القاضي ، فإذا فرق يصير كأنه طلقها بنفسه فتكون تطليقة بائنة ليحصل مقصودها وهو دفع الظلم عنها بملكها نفسها .

ويشترط طلبها لأن الفرقة حقها ; والمراد السنة القمرية ; لأنها المراد عند الإطلاق . وروى ابن سماعة عن محمد أنها سنة شمسية وتعتبر بالأيام ، وتزيد على القمرية أحد عشر يوما ، ويحسب منها أيام الحيض وشهر رمضان ; لأن السنة لا تخلو عن ذلك ، ويحسب مرضه ومرضها إن كان نصف شهر ، وإن كان أكثر عوضه عنه . وعن أبي يوسف إن حجت أو هربت أو غابت لم تحتسب تلك المدة من السنة ، وإن حج هو أو هرب أو غاب احتسب عليه من السنة .

والتأجيل إنما يكون بعد دعوى المرأة عند القاضي فإن اختارت زوجها لم يكن لها بعد ذلك خيار ; لأنها رضيت ببطلان حقها ، ولو خيرها القاضي فقامت من مجلسها قبل أن تختار فلا خيار لها كالمخيرة من زوجها ، فإن طلب العنين أن يؤجله القاضي سنة أخرى لم يؤجله إلا [ ص: 154 ] برضاها ، فإن رضيت جاز ولها أن ترجع وتختار قبل مضي السنة الأخرى ، فإذا فرق القاضي بينهما ثم تزوجها فلا خيار لها ; لأنها رضيت بالعنة ، ولو اختلفا في الوصول إليها ، فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر حق التفريق ، ولأن الأصل السلامة ، والعيب عارض ، فإن حلف بطل حقها ، وإن نكل أجل سنة كسائر الحقوق ، وإن كانت بكرا نظرها النساء ، فإن قلن هي بكر أجل سنة ، وإن قلن هي ثيب حلف على الوجه الذي بينا .

والمجبوب وهو الذي قطع ذكره أصلا فإنه يفرق بينهما للحال لأنه لا فائدة في التأجيل ، والخصي كالعنين لأن له آلة تنتصب ويجامع بها غير أنه لا يحبل ، وهو الذي سلت أنثياه ، وإذا أجل سنة وادعى الوصول إليها وأنكرت فالحكم كما إذا اختلفا قبل التأجيل ، وإذا كان زوج الأمة عنينا فالخيار للمولى كالعزل عند أبي حنيفة ، وإذا كانت المرأة رتقاء فلا ولاية لها في الطلب ، إذ لا حق لها في الوطء ، ولو وطئها الزوج مرة واحدة ثم عن أو جب فلا طلب لها ولا خيار .




الخدمات العلمية