الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 331 ] التنبيه ] الخامس [ مذهب الكوفيين والبصريين ] [ في اشتقاق الأفعال من المصادر ]

                                                      مذهب الكوفيين أن المصادر مشتقة من الأفعال ، وعكس البصريون ذلك وهو الصحيح ، لأن مفهومه واحد ، ومفهوم الفعل متعدد لدلالته على الحدث والزمان ، والواحد قبل المتعدد ، وإذا كان أصلا للأفعال يكون أصلا لمتعلقاته ، أو لأنه اسم ، والاسم مستغن عن الفعل .

                                                      ويقال : مصدر ، لأن هذه الأشياء تصدر عنه ، وكذلك الصفات كأسماء الفاعلين والمفعولين ، وتوسط الفارسي فقال : الصفات مشتقة من الأفعال لجريانها عليها ، وعلى تقدير القول به فهي وإن كانت مشتقة من الأفعال بهذا الاعتبار فالأفعال أصولها القريبة ، والمصادر أصولها البعيدة . وذهب أبو بكر بن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل بنفسه ، ليس أحدهما مشتقا من الآخر ، فالحاصل أربعة مذاهب .

                                                      وقد استشكل المازري في شرح البرهان حقيقة الخلاف في هذه المسألة وقال : إن أريد بذلك أن أحدهما حقيقة والآخر مجاز ، فالحقيقة أصل للمجاز ، فهذا لا يقوله أحد ، فلا خلاف أنا إذا قلنا : قام زيد قياما ، فإن قولنا : " قام " لفظة من الحقائق لا تجوز فيها ، وقولنا " قياما " لفظة من الحقائق لا تجوز فيها أيضا ، فقد وضح بطلان صرف الأصلية والفرعية إلى هذا الوجه ، وإن أرادوا بقولهم هذا أصل وهذا فرع أن اللفظين حقيقتان ، [ ص: 332 ] ولكن النطق بهذه سبق ، فهذا غيب لا يعلمه إلا الله والبحث عنه عي لا يجدي ولا فائدة فيه ، وأي فائدة في السؤال عن تسمية الحائط والجدار أي اللفظين نطق به أولا ؟ انتهى .

                                                      وقال بعضهم : إذا قيل : هذا مشتق من هذا فله معنيان :

                                                      أحدهما : أن بين القولين تناسبا في اللفظ والمعنى وسواء تكلم أهل اللغة بأحدهما قبل الآخر أم لا وعلى هذا إذا قلنا : المصدر مشتق من الفعل أو بالعكس كان كل منهما صحيحا ، وهذا هو الاشتقاق الذي يقوم عليه أساس التصريف .

                                                      والثاني : أن يكون أحدهما أصلا للآخر ، فهذا إن عني به أن أحدهما تكلم به بعد الآخر لم يقم على هذا دليل في أكثر المواضع ، وإن عني به أن أحدهما مقدم على الآخر في العقل لكون هذا مفردا وهذا مركبا ، فالفعل مشتق من المصدر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية