الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            باب اختلاف المتبايعين خصهما بالذكر لأن الكلام في البيع والاختلاف فيه أغلب من غيره وإلا فكل عقد معاوضة وإن لم تكن محضة وقع الاختلاف في كيفيته كذلك .

                                                                                                                            وأصل الباب ما صح { إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا } وصح أيضا { أنه صلى الله عليه وسلم أمر البائع أن يحلف ثم يتخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك } ( إذا اتفقا ) أي المتعاقدان ولو وكيلين أو قنين أذن لهما سيدهما كما هو واضح أو وارثين كما يأتي أو وليين أو مختلفين ( على صحة البيع ) أو ثبتت بطريق أخرى كبعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر ، فإذا حلف البائع [ ص: 160 ] على نفي الخمر تحالفا ( ثم اختلفا في كيفيته كقدر الثمن ) وما يدعيه البائع . أو وليه أو وكيله أكثر كما في الصداق بل غير البائع والولي والوكيل كذلك فلا بد أن يكون مدعي المشتري مثلا في المبيع أكثر وإلا فلا فائدة للتحالف ( أو صفته ) كصحاح أو مكسرة أو جنسه كذهب أو فضة أو نوعه كمن ذهب كذا وكذا ومن ذلك اختلافهما في شرط نحو رهن ، أو كفالة أو كونه كاتبا ، ويمكن شمول قوله أو صفته لذلك كله .

                                                                                                                            نعم لو وقع الاختلاف في عقد هل كان قبل التأبير أو الولادة أو بعدهما فلا تحالف وإن رجع الاختلاف إلى قدر المبيع ، لأن ما وقع الخلاف فيه من الحمل والتمرة تابع لا يصح إفراده بعقد فالقول قول البائع بيمينه لأن الأصل بقاء ملكه ، ومن ثم لو زعم المشتري أن البيع قبل الاطلاع أو الحمل صدق ، وهو ظاهر إذ الأصل عدمه عند البيع كذا قيل والأصح تصديق البائع ( أو الأجل ) بأن أثبته المشتري ونفاه البائع ( أو قدره ) كشهر أو شهرين ( أو قدر المبيع ) كمد من هذه الصبرة مثلا بدرهم فيقول بل مدين به ( ولا بينة ) لأحدهما يعول عليها ، فشمل ما لو أقام كل بينة وتعارضتا لإطلاقهما أو إطلاق أحدهما فقط أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين ( تحالفا ) لخبر مسلم { اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدع ومدعى عليه } .

                                                                                                                            ولا يشكل الخبران المتقدمان لأنه عرف من هذا الخبر زيادة عليهما وهي حلف المشتري أيضا فأخذنا بها ، وشمل كلامه ما لو وقع الاختلاف في زمن الخيار فيتحالفان وهو كذلك كما صرح به ابن يونس والنشائي والأذرعي وغيرهم وقد قال الشافعي والأصحاب بالتحالف في الكتابة مع جوازها في حق الرقيق وفي القراض [ ص: 161 ] والجعالة مع جوازهما من الجهتين ، وأما ما استند إليه القائل بعدم التحالف كابن المقري في بعض نسخ الروض من إمكان الفسخ في زمنه رد بأن التحالف لم يوضع للفسخ بل عرضت اليمين رجاء أن يتكل الكاذب فيتقرر العقد بيمين الصادق ، وخرج بقوله اتفقا إلى آخره اختلافهما في الصحة أو العقد هل هو بيع أو هبة فلا تحالف كما يأتي ، وعلم مما مر أن مرادهم بالاتفاق على الصحة وجودها وبقوله ولا بينة ما لو كان لأحدهما بينة فإنه يقضي بها أو لهما بينتان مؤرختان بتاريخين مختلفين فإنه يقضي بالأولى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( باب اختلاف المتبايعين ) أي وما يذكر من ذلك كما لو اشترى عبدا فجاء بعبد معيب إلخ ( قوله : وإن لم تكن محضة ) كالصداق والخلع وصلح الدم ( قوله : وأصل الباب ما صح ) أي الدليل على أصل الاختلاف وإن كان ما أورده لا يثبت المقصود من التحالف ثم ما ذكره في الحديث الثاني قضيته أنه إذا حلف البائع على شيء يتخير المشتري بين الرضا به والفسخ ، ولا يوافقه ما هو مقرر من أنه متى قلنا بتحليف أحدها قضي به على الآخر ( قوله : فهو ) أي القول ( قوله : أو يتتاركا ) هي بمعنى إلا ، وعبارة حج : أو يتتاركا : أي يترك كل ما يدعيه وذلك إنما يكون بالفسخ .

                                                                                                                            وأو هنا بمعنى إلا وتقدير لام الجزم بعيد من السياق كما هو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                            وكتب سم على قوله وأو هنا بمعنى إلا يمكن على هذا أن يكون محمل قوله في الحديث فهو ما يقول رب السلعة على ما إذا حلف ونكل الآخر أو على ما إذا تراضيا بما قاله ، وقوله : فيه أو يتتاركا على ما إذا حلفا ولم يرضيا بما يقوله أحدهما : أي بأن فسخا ( قوله : أمر البائع أن يحلف ) أي كما يحلف المشتري ( قوله : ثم يتخير المبتاع ) أي بين الفسخ والإجازة ( قوله : إن شاء أخذ ) أي بأن يمتنع عن الحلف ويرضى بما قاله صاحبه .

                                                                                                                            وقوله : وإن شاء ترك : أي بعد الحلف والفسخ ( قوله : أو وارثين ) في إدخالهما في العقدين مسامحة وكأنه أراد بالمتعاقدين ما يشمل من يقوم مقامها .

                                                                                                                            عبارة حج بعد أن بين التعميم في العاقدين . ويأتي أن ورثتهما مثلهما ا هـ .

                                                                                                                            وهي واضحة .

                                                                                                                            قال في الإيعاب وإطلاق الوارث يشمل ما لو كان بيت المال فيمن [ ص: 160 ] لا وارث له غيره فهل يحلف الإمام كما شمله كلامهم أو لا ؟ فيه نظر ( قوله : وما يدعيه ) أي والحال ( قوله : في المبيع أكثر ) أي في عوض المبيع وهو الثمن ( قوله : أو مكسرة ) أي وإن لم يكن ما يدعيه البائع أكثر قيمة لأن الأغراض تختلف بذلك ( قوله : ومن ذلك ) أي مما يجري فيه الاختلاف الموجب للتحالف ( قوله : ومن ثم لو زعم ) أي ادعى ( قوله : قبل الاطلاع ) فتكون الثمرة له أو الحمل ( قوله : كذا قيل ) قائله حج ( قوله : والأصح تصديق البائع ) ينبغي أن صورة المسألة في الاطلاع والحمل أن يقول البائع البيع بعد الاطلاع والتأبير وبعد الحمل وانفصال الولد ، ويقول المشتري بل هو قبل الاطلاع والحمل ، أما لو كانت حاملا أو الثمرة غير مؤبرة واختلفا في مجرد كون الثمرة والحمل قبل البيع أو بعده فلا معنى للاختلاف ، فإن البيع إن كان قبل الحمل والاطلاع فقد حدثا في ملك المشتري وإن كانا قبل البيع فقد دخلا في المبيع تبعا نعم يظهر أثر ذلك فيما لو رد المبيع بعيب وزعم المشتري أن الاطلاع والحمل وجدا بعد البيع فيكونان من الزيادة المنفصلة فلا يتبعان في الرد والمشترى إنما كان قبل البيع فهما من المبيع ( قوله : فشمل ) أي قوله ولا بينة يعول عليها ( قوله : لخبر مسلم ) أي في قوله وأصل الباب إلخ ( قوله : وهي ) أي الزيادة ( قوله : في زمن الخيار ) ظاهر وإن كان الخيار للبائع وحده وهو ظاهر لجواز أن لا يكون له غرض في الفسخ فيتحالفان لاحتمال رضا المشتري بما يقوله البائع ( وقوله : وقد قال الشافعي ) استظهار على تصحيح التحالف في زمن الخيار في الجملة وإلا فهي لازمة من جهة السيد ( قوله : وفي القراض ) بأن قال المقرض قارضتك دنانير [ ص: 161 ] وقال العامل : بل دراهم أو قال مائة وخمسين فقال بل مائة ( قوله : والجعالة ) وجعلا من المعاوضة لأن العامل فيهما لم يعمل مجانا وإنما عمل طامعا في الربح والجعل ( قوله : بعدم التحالف ) أي فيما إذا وقع الاختلاف في زمن الخيار ( قوله : في زمنه ) أي الخيار ( قوله : وعلم مما مر ) أي في قوله أو ثبتت إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( باب اختلاف المتبايعين ) ( قوله : فإذا حلف البائع ) تصوير لثبوت الصحة بطريق أخرى غير الاتفاق عليها ففائدة حلفه صحة العقد في جميع المبيع ، ولكن لا تثبت الألف ولهذا احتيج إلى التحالف بعد ، وحينئذ فيظهر أن المشتري يحلف كما ادعى [ ص: 160 ] فليراجع . ( قوله : بل غير البائع إلخ ) انظر ما موقع هذا الإضراب وهلا سرد الجميع من غير إضراب ، وهو تابع فيه للشهاب حج لكن ذاك له موقع في كلامه يعلم بمراجعته مع تأمله . ( قوله : أو الولادة ) أي كأن يقع الاختلاف بعد الاستغناء عن اللبن فيما إذا كان المبيع غير آدمي أو بعد التمييز فيما إذا كان آدميا ، وكان البائع يدعي أن البيع وقع بعد الاستغناء أو التمييز أيضا وإلا فالبيع من أصله باطل على مدعي البائع لحرمة التفريق .

                                                                                                                            ( قوله : وكل منهما مدع ومدعى عليه ) لا يخفى أن خبر مسلم إنما يشهد لحلف كل منهما من جهة كونه مدعى عليه [ ص: 161 ] لا من جهة كونه مدعيا فلا بد من دليل للجهة الثانية التي ثمرتها الحلف على الإثبات . ( قوله : وبقوله ولا بينة ) أي وخرج بقوله




                                                                                                                            الخدمات العلمية