الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 191 ] ( فصل في الشركة الفاسدة )

( ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد ، وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه فهو له دون صاحبه ) ، وعلى هذا الاشتراك في أخذ كل شيء مباح ; لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة ، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل [ ص: 192 ] لأن أمر الموكل به غير صحيح ، والوكيل يملكه بدون أمره فلا يصلح نائبا عنه ، وإنما يثبت الملك لهما بالأخذ وإحراز المباح ، فإن أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق ، وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل ، وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بأن قلعه أحدهما وجمعه الآخر ، أو قلعه وجمعه وحمله الآخر فللمعين أجر المثل بالغا ما بلغ عند محمد .

وعند أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك ، وقد عرف في موضعه .

[ ص: 191 ]

التالي السابق


[ ص: 191 ] فصل في الشركة الفاسدة )

وجه تقديم الصحيحة على الفاسدة ظاهر ( قوله ولا تجوز الشركة في الاحتطاب والاصطياد ) وكذا الاحتشاش والتكدي وسؤال الناس ( وما اصطاده كل واحد منهما أو احتطبه ) أو أصابه من التكدي ( فهو له دون صاحبه ، وعلى هذا الاشتراك في كل مباح ) كأخذ الحطب والثمار من الجبال كالجوز والتين والفستق وغيرها ، وكذا في نقل الطين وبيعه من أرض مباحة أو الحصى أو الملح أو الثلج أو الكحل أو المعدن أو الكنوز الجاهلية ، وكذا إذا اشتركا على أن يلبنا من طين غير مملوك ويطبخا آجرا ، ولو كان الطين مملوكا أو سهلة الزجاج فاشتركا على أن يشتريا ويطبخا ويبيعا جاز وهو شركة الصنائع ، وكل ذلك جائز عند مالك وأحمد ; لأن هذه شركة الأبدان كالصباغين ، ويؤيده ما رواه أبو داود عن ابن مسعود قال : { اشتركنا أنا وعمار وسعد يوم بدر ، فلم أجئ أنا وعمار بشيء ، وجاء سعد بأسيرين فأشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم } .

أجيب بأن الغنيمة مقسومة بين الغانمين بحكم الله تعالى . فيمتنع أن يشترك هؤلاء في شيء منها بخصوصهم ، وفعله صلى الله عليه وسلم إنما هو تنفيل قبل القسمة ، أو أنه كان قدر ما يخصهم ، وعلى قول بعض الشافعية أن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 192 ] يتصرف فيها كيف شاء ظاهر ( قوله لأن أمر الموكل به ) أي بأخذ المباح ( غير صحيح ) لعدم ملكه وولايته ( والوكيل يملكه ) أي يملك المباح ( بدون أمر الموكل فلا يصلح الوكيل نائبا ) عن الموكل ; لأن التوكيل إثبات ولاية لم تكن ثابتة للوكيل ، وهذا لم يوجد هاهنا ، فإذا لم تثبت الوكالة لم تثبت الشركة .

واستشكل بالتوكيل بشراء عبد بغير عينه فإنه يجوز مع أن الوكيل يملك شراءه لنفسه قبل التوكيل وبعده . وحاصل الجواب أن الوكيل ليس قادرا باعتبار آخر وهو شغل ذمة الموكل بالثمن لولا الوكالة فيها تثبت له ولاية أن يشغل ذمته به بعد أن لم يكن يقدر عليه .

وحاصل هذا أن التوكيل بما يوجب حقا على الموكل يتوقف على إثباته الولاية عليه في ذلك ، والكلام في التوكيل بخلافه ، وإنما الوجه أن الشرع جعل سبب ملك المباح سبق اليد إليه ، فإذا وكله به فاستولى عليه سبق ملكه له ملك الموكل ، ولو قيل عليه هذا إذا استولى عليه بقصده لنفسه ، فأما إذا قصد ذلك لغيره فلم لا يكون للغير ؟ يجاب بأن إطلاق نحو قوله صلى الله عليه وسلم { الناس شركاء في ثلاث } لا يفرق بين قصد وقصد ( قوله فإن أخذاه جميعا ) يعني ثم خلطاه وباعاه قسم الثمن على كيل أو وزن ما لكل منهما .

وإن لم يكن وزنيا ولا كيليا قسم على قيمة ما كان لكل منهما ، وإن لم يعرف مقدار ما كان لكل منهما صدق كل واحد إلى النصف ; لأنهما استويا في الاكتساب ، وكان المكتسب في أيديهما ، فالظاهر أنه بينهما نصفان ، والظاهر يشهد له في ذلك فيقبل قوله ، ولا يصدق على الزيادة على النصف إلا ببينة ; لأنه يدعي خلاف الظاهر ( وإن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل ) لوجود السبب منه ( وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر بأن قلعه أحدهما ، وجمعه الآخر أو قلعه أحدهما وجمعه والآخر حمله فللمعين أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد ، وعند أبي يوسف لا يجاوز به نصف ثمن ذلك ) وقوله ( وقد عرف في موضعه ) يعني كتاب الشركة من المبسوط ، فإنه ذكر فيه وجه قول كل منهما ، فوجه قول محمد أن المسمى [ ص: 193 ] مجهول إذ لم يدر أي نوع من الحطب يصيبان ، وهل يصيبان شيئا أو لا ، والرضا بالمجهول لغو ، فسقط اعتبار رضاه بالنصف للجهالة ، وصار مستوفيا منافعه بعقد فاسد فله أجر مثله بالغا ما بلغ .

وأبو يوسف يقول بقول محمد فيما إذا لم يصيبا شيئا ، وفيما إذا أصابا أنه إن كان أجر مثله أكثر فهو قد رضي بما دونه من النصف ، وكونه مجهولا في الحال فهي حالة على شرف الزوال فإنه على عرض أن يصير معلوما عند الجمع والبيع ، بخلاف ما إذا لم يصيبا شيئا فإن المسمى لا يمكن اعتباره لجهالته بالتفاحش حالا ومآلا فحينئذ أجر المثل بالغا ما بلغ .

وقوله ( لا يجاوز به ) بفتح الواو على البناء للمفعول . وقوله ( نصف ثمن ذلك ) بالرفع ; لأنه هو النائب عن الفاعل . [ فرع ]

لهما كلب فأرسلاه فما أصاب بينهما ، ولو كان لأحدهما وأرسلاه جميعا كان ما أصابه لمالكه




الخدمات العلمية