الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال الدرجة الثانية : تحسين خلقك مع الحق . وتحسينه منك : أن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب عذرا ، وأن كل ما يأتي من الحق يوجب شكرا ، وأن لا ترى له من الوفاء بدا .

هذه الدرجة مبنية على قاعدتين .

إحداهما : أن تعلم أنك ناقص . وكل ما يأتي من الناقص ناقص . فهو يوجب اعتذاره منه لا محالة . فعلى العبد أن يتعذر إلى ربه من كل ما يأتي به من خير وشر . أما الشر : فظاهر . وأما الخير : فيعتذر من نقصانه . ولا يراه صالحا لربه .

فهو - مع إحسانه - معتذر في إحسانه . ولذلك مدح الله أولياءه بالوجل منه مع إحسانهم بقوله : والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة وقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو الرجل يصوم ، ويتصدق . ويخاف أن لا يقبل منه فإذا خاف فهو بالاعتذار أولى .

والحامل له على هذا الاعتذار أمران :

أحدهما : شهود تقصيره ونقصانه .

والثاني : صدق محبته . فإن المحب الصادق يتقرب إلى محبوبه بغاية إمكانه . وهو معتذر إليه ، مستحي منه : أن يواجهه بما واجهه به . وهو يرى أن قدره فوقه وأجل منه . وهذا مشاهد في محبة المخلوقين .

القاعدة الثانية : استعظام كل ما يصدر منه سبحانه إليك ، والاعتراف بأنه يوجب الشكر عليك ، وأنك عاجز عن شكره . ولا يتبين هذا إلا في المحبة الصادقة . فإن المحب يستكثر من محبوبه كل ما يناله . فإذا ذكره بشيء وأعطاه إياه : كان سروره بذكره له ، وتأهيله لعطائه : أعظم عنده من سروره بذلك العطاء بل يغيب بسروره بذكره له عن سروره بالعطية . وإن كان المحب يسره ذكر محبوبه له ، وإن ناله بمساءة . كما قال القائل :

[ ص: 309 ]

لئن ساءني أن نلتني بمساءة لقد سرني أني خطرت ببالكا

فكيف إذا ناله محبوبه بمسرة - وإن دقت - فإنه لا يراها إلا جليلة خطيرة . فكيف هذا مع الرب تعالى الذي لا يأتي أبدا إلا بالخير ؟ ويستحيل خلاف ذلك في حقه . كما يستحيل عليه خلاف كماله . وقد أفصح أعرف الخلق بربه عن هذا بقوله : والشر ليس إليك أي لا يضاف إليك . ولا ينسب إليك . ولا يصدر منك . فإن أسماءه كلها حسنى ، وصفاته كلها كمال ، وأفعاله كلها فضل وعدل ، وحكمة ورحمة ومصلحة . فبأي وجه ينسب الشر إليه سبحانه وتعالى ؟ فكل ما يأتي منه فله عليه الحمد والشكر . وله فيه النعمة والفضل .

قوله : وأن لا يرى من الوفاء بدا .

يعني : أن معاملتك للحق سبحانه بمقتضى الاعتذار من كل ما منك ، والشكر على ما منه - عقد مع الله تعالى لازم لك أبدا ، لا ترى من الوفاء به بدا . فليس ذلك بأمر عارض ، وحال يحول . بل عقد لازم عليك الوفاء به إلى يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية