الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( 45 ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ( 46 ) )

[ ص: 275 ] يقول تعالى ذكره : ( ألم تر ) يا محمد ( كيف مد ) ربك ( الظل ) وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) يقول : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) قال : مده ما بين صلاة الصبح إلى طلوع الشمس .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ) قال : الظل : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا أبو محصن ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) قال : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( كيف مد الظل ) قال : ظل الغداة قبل أن تطلع الشمس .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الظل : ظل الغداة .

قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) قال : مده من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) يعني : من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس .

قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا ) يقول : ولو شاء لجعله دائما لا يزول ، ممدودا [ ص: 276 ] لا تذهبه الشمس ، ولا تنقصه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا ) يقول : دائما .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال ، ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا ) قال : لا تصيبه الشمس ولا يزول .

حدثنا القاسم . قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( ولو شاء لجعله ساكنا ) قال : لا يزول .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولو شاء لجعله ساكنا ) قال : دائما لا يزول .

وقوله : ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) يقول جل ثناؤه : ثم دللناكم أيها الناس بنسخ الشمس إياه عند طلوعها عليه ، أنه خلق من خلق ربكم ، يوجده إذا شاء ، ويفنيه إذا أراد ; والهاء في قوله : " عليه " من ذكر الظل . ومعناه : ثم جعلنا الشمس على الظل دليلا . قيل : معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس التي تنسخه لم يعلم أنه شيء ، إذا كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، نظير الحلو الذي إنما يعرف بالحامض والبارد بالحار ، وما أشبه ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) يقول : طلوع الشمس .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) قال : تحويه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن [ ص: 277 ] مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) قال : أخرجت ذلك الظل فذهبت به وقوله : ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) يقول تعالى ذكره : ثم قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضا خفيا سريعا بالفيء الذي نأتي به بالعشي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) قال : حوى الشمس الظل . وقيل : إن الهاء التي في قوله : ( ثم قبضناه إلينا ) عائدة على الظل ، وإن معنى الكلام : ثم قبضنا الظل إلينا بعد غروب الشمس ، وذلك أن الشمس إذا غربت غاب الظل الممدود ، قالوا : وذلك وقت قبضه .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( يسيرا ) فقال بعضهم : معناه : سريعا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) يقول : سريعا .

وقال آخرون : بل معناه : قبضا خفيا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) قال : خفيا .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ( قبضا يسيرا ) قال : خفيا ، قال : إن ما بين الشمس والظل مثل الخيط ، واليسير الفعيل من اليسر ، وهو السهل الهين في كلام العرب . فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك ، يتوجه لما روي عن ابن عباس ومجاهد ; لأن سهولة قبض ذلك قد تكون بسرعة وخفاء . وقيل : إنما قيل ( ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب [ ص: 278 ] كله دفعة ، ولا يقبل الظلام كله جملة ، وإنما يقبض ذلك الظل قبضا خفيا ، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه جزء من الظلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية