الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        وأما الاختلاف من جهة كونه خارجا على أهل السنة أو غير خارج ؛ :

                        فلأن غير الخارج لم يزد على الدعوة مفسدة أخرى يترتب عليه إثم ، والخارج زاد الخروج على الأئمة وهو موجب للقتل ، والسعي في الأرض بالفساد ، وإثارة الفتن والحروب ، إلى حصول العداوة والبغضاء بين أولئك [ ص: 220 ] الفرق ، فله من الإثم العظيم أوفر حظ .

                        ومثاله قصة الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأخبارهم شهيرة .

                        وقد لا يخرجون هذا الخروج ، بل يقتصرون على الدعوة ، لكن على وجه أدعى إلى الإجابة ، لأن فيه نوعا من الإكراه والإخافة ، فلا هو مجرد دعوة ، ولا هو شق العصا من كل وجه ، وذلك أن يستعين على دعوة بأولي الأمر من الولاة والسلاطين; فإن الاقتداء هنا أقوى بسبب خوف الولاة في الإيقاع بالآبي سجنا أو ضربا أو قتلا ، كما اتفق لبشر المريسي في زمن المأمون ، ولأحمد بن أبي دؤاد في خلافة الواثق ، وكما اتفق لعلماء المالكية بالأندلس ، إذ صارت ولايتها للمهديين ، فمزقوا كتب المالكية ، وسموها كتب الرأي ، ونكلوا بجملة من الفضلاء بسبب أخذهم في الشريعة بمذهب مالك . وكانوا هم مرتكبين للظاهرية المحضة ، التي هي عند العلماء بدعة ظهرت بعد المائتين من الهجرة ، ويا ليتهم وافقوا مذهب داود وأصحابه ! لكنهم تعدوا ذلك إلى أن قالوا برأيهم ، ووضعوا للناس مذاهب لا عهد ( لهم ) بها في الشريعة ، وحملوهم عليها طوعا أو كرها ، حتى عم داؤها في الناس ، وثبتت زمانا طويلا ، ثم ذهب منها جملة وبقيت أخرى إلى اليوم ، ولعل الزمان يتسع إلى ذكر جملة منها في أثناء الكتاب بحول الله .

                        فهذا الوجه ، الوزر فيه أعظم من مجرد الدعوة من وجهين :

                        [ ص: 221 ] الأول : الإخافة والإكراه بالإسلام والقتل .

                        والآخر : كثرة الداخلين في الدعوة; لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس ، بخلاف الدنيوي ، ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع ، و " إن ( الله ) يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن " ، فالمبتدع إذا لم ينتصر بإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ ( به ) ، حاول الانتهاض بأولي الأمر; ليكون ذلك أحرى بالإجابة .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية