الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    اعتقاد أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، وأبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازيين ، وجماعة من السلف ممن نقل عنهم رحمهم الله

                    321 - أخبرنا محمد بن المظفر المقري ، قال : حدثنا الحسين بن [ ص: 198 ] محمد بن حبش المقري ، قال : حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين ، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ؟

                    فقالا : " أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص .

                    والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته .

                    والقدر خيره وشره من الله - عز وجل .

                    وخير هذه الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وهم الخلفاء الراشدون المهديون ، وأن العشرة الذين سماهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله الحق ، والترحم على جميع أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والكف عما شجر بينهم .

                    وأن الله - عز وجل - على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا كيف ، أحاط بكل شيء علما ، ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

                    وأنه تبارك وتعالى يرى في الآخرة ، يراه أهل الجنة بأبصارهم [ ص: 199 ] ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء .

                    والجنة حق ، والنار حق ، وهما مخلوقان لا يفنيان أبدا ، والجنة ثواب لأوليائه ، والنار عقاب لأهل معصيته إلا من رحم الله - عز وجل .

                    والصراط حق ، والميزان حق ، له كفتان ، توزن فيه أعمال العباد حسنها وسيئها حق .

                    والحوض المكرم به نبينا حق . والشفاعة حق ، والبعث من بعد الموت حق . وأهل الكبائر في مشيئة الله عز وجل .

                    ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ، ونكل أسرارهم إلى الله - عز وجل .

                    ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان . ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة ، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا ولا ننزع يدا من طاعة ، ونتبع السنة والجماعة ، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة . وأن الجهاد ماض منذ بعث الله - عز وجل - نبيه - عليه الصلاة والسلام - إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء . والحج كذلك ، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين .

                    والناس مؤمئون في أحكامهم ومواريثهم ، ولا ندري ما هم عند الله - عز وجل.

                    [ ص: 200 ] فمن قال : إنه مؤمن حقا فهو مبتدع ، ومن قال : هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين ، ومن قال : هو مؤمن بالله حقا فهو مصيب .

                    والمرجئة المبتدعة ضلال ، والقدرية المبتدعة ضلال ، فمن أنكر منهم أن الله - عز وجل - لا يعلم ما لم يكن قبل أن يكون فهو كافر .

                    وأن الجهمية كفار .

                    وأن الرافضة رفضوا الإسلام .

                    والخوارج مراق .

                    ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة . ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر .

                    ومن شك في كلام الله - عز وجل - فوقف شاكا فيه يقول : لا أدري مخلوق أو غير مخلوق فهو جهمي .

                    ومن وقف في القرآن جاهلا علم وبدع ولم يكفر .

                    ومن قال : لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي .

                    قال أبو محمد : وسمعت أبي يقول : " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ، وعلامة الزنادقة [ ص: 201 ] تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار .

                    وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة .

                    وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة .

                    وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة ونقصانية .

                    وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة .

                    ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء .

                    322 - قال أبو محمد : وسمعت أبي وأبا زرعة يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع يغلظان في ذلك أشد التغليظ ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثار ، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين ، ويقولان : لا يفلح صاحب كلام أبدا .

                    قال أبو محمد : " وبه أقول أنا " .

                    [ ص: 202 ] وقال أبو علي بن حبيش المقرئ : " وبه أقول " . قال شيخنا ابن المظفر : " وبه أقول " . وقال شيخنا يعني المصنف : " وبه أقول " .

                    323 - ووجدت في بعض كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي - رحمه الله - مما سمع منه ، يقول : مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان ، وترك النظر في موضع بدعهم ، والتمسك بمذهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، والشافعي . ولزوم الكتاب والسنة ، والذب عن الأئمة المتبعة لآثار السلف ، واختيار ما اختاره أهل السنة من الأئمة في الأمصار مثل : مالك بن أنس في المدينة ، والأوزاعي بالشام ، والليث بن سعد بمصر ، وسفيان الثوري ، وحماد بن زياد بالعراق من الحوادث مما لا يوجد فيه رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين . وترك رأي الملبسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين ، وترك النظر في كتب الكرابيسي ، ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه وشاجرديه مثل داود الأصبهاني وأشكاله ومتبعيه .

                    والقرآن كلام الله وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ، وليس [ ص: 203 ] بمخلوق بجهة من الجهات . ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر بالله كفرا ينقل عن الملة ، ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر . والواقفة واللفظية جهمية ، جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل . والاتباع للأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان . وترك كلام المتكلمين ، وترك مجالستهم وهجرانهم ، وترك مجالسة من وضع الكتب بالرأي بلا آثار .

                    واختيارنا أن الإيمان قول وعمل ، إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالأركان ، مثل الصلاة والزكاة لمن كان له مال ، والحج لمن استطاع إليه سبيلا ، وصوم شهر رمضان ، وجميع فرائض الله التي فرض على عباده ، العمل به من الإيمان .

                    والإيمان يزيد وينقص .

                    ونؤمن بعذاب القبر .

                    وبالحوض المكرم به النبي - صلى الله عليه وسلم - ونؤمن بالمساءلة في القبر .

                    وبالكرام الكاتبين .

                    وبالشفاعة المخصوص بها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                    ونترحم على جميع أصحاب - النبي صلى الله عليه وسلم - ولا نسب أحدا منهم لقوله - عز وجل : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .

                    [ ص: 204 ] والصواب نعتقد ونزعم أن الله على عرشه بائن من خلقه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

                    ولا نرى الخروج على الأئمة ولا نقاتل في الفتنة ، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله عز وجل أمرنا .

                    ونرى الصلاة والحج والجهاد مع الأئمة ، ودفع صدقات المواشي إليهم .

                    ونؤمن بما جاءت به الآثار الصحيحة بأنه يخرج قوم من النار من الموحدين بالشفاعة .

                    ونقول : إنا مؤمنون بالله عز وجل ، وكره سفيان الثوري أن يقول : أنا مؤمن حقا عند الله ومستكمل الإيمان ، وكذلك قول الأوزاعي أيضا .

                    وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر .

                    وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة .

                    وعلامة القدرية أن يسموا أهل السنة مجبرة .

                    وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية . ويريدون إبطال الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وفقنا الله وكل مؤمن لما يحب ويرضى من القول والعمل ، وصلى الله على محمد وآله وسلم .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية