الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4251 ) مسألة قال : ( وكذلك إن اكترى لحمولة شيء ، فزاد عليه ) وجملة ذلك أن من اكترى لحمل شيء ، فزاد عليه ، مثل أن يكتريها لحمل قفيزين ، فحمل ثلاثة ، فحكمه حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه ، في وجوب الأجر ، وأجر المثل لما زاد ، ولزوم الضمان إن تلفت . هذا قول الشافعي . وحكى القاضي أن قول أبي بكر في هذه المسألة وجوب أجر المثل في الجميع ، وأخذه من قوله في من استأجر أرضا ليزرعها شعيرا ، فزرعها حنطة ، قال عليه أجر المثل للجميع ; لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره

                                                                                                                                            ، فأشبه ما لو استأجر أرضا ، فزرع أخرى

                                                                                                                                            فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر ، وقال : ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى ، لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز ، فيكون في المسألتين وجهان .

                                                                                                                                            وليس الأمر كذلك ، فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا ، فإن الذي حصل التعدي فيه في الحمل متميز عن المعقود عليه ، وهو القفيز الزائد ، بخلاف الزرع ، ولأنه في مسألة الحمل استوفى المنفعة المعقود عليها وزاد ، وفي الزرع لم يزرع ما وقع العقد عليه ، ولهذا علله أبو بكر بأنه عدل عن المعقود عليه ، ولا يصح هذا القول في مسألة الحمل ، فإنه قد حمل المعقود عليه وزاد عليه ، بل إلحاق هذه المسألة بما إذا اكترى مسافة فزاد عليها أشد ، وشبهها بها أشد ، ولأنه في مسألة الحمل متعد بالزيادة وحدها ، وفي مسألة الزرع متعد بالزرع كله ، فأشبه الغاصب .

                                                                                                                                            فأما مسألة الزرع فيما إذا اكترى أرضا ليزرع الشعير ، فزرع حنطة ، فقد نص أحمد ، في رواية عبد الله ، فقال : ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان ما بين الحنطة والشعير ، فيعطي رب الأرض . فجعل هذه المسألة كمسألتي الخرقي ، في إيجاب المسمى وأجر المثل للزائد . ووجهه أنه لما عين الشعير ، لم يتعين ، ولم يتعلق العقد بعينه ، كما سبق ذكره ، ولهذا قلنا : له زرع مثله ، وما هو دونه في الضرر . فإذا زرع حنطة ، فقد استوفى حقه وزيادة ، أشبه ما لو اكتراها إلى [ ص: 293 ] موضع فجاوزه

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : له أجر المثل .

                                                                                                                                            وعلله بأنه عدل عن المعقود عليه ، فإن الحنطة ليست شعيرا وزيادة . وإن قلنا : إنه قد استوفى المعقود عليه وزيادة ، غير أن الزيادة ليست متميزة عن المعقود عليه . بخلاف مسألتي الخرقي . وقال الشافعي : المكتري يخير بين أخذ الكراء وما نقصت الأرض عما ينقصها الشعير ، وبين أخذ كراء مثلها للجميع ; لأن هذه المسألة أخذت شبها من أصلين : أحدهما إذا ركب دابة فجاز بها المسافة المشروطة ; لكونه استوفى المعقود عليه وزيادة

                                                                                                                                            والثاني إذا استأجر أرضا فزرع غيرها ; لأنه زرع متعديا ، فلهذا خيره بينهما ، ولأنه وجد سبب يقتضي كل واحد من الحكمين ، وتعذر الجمع بينهما ، فكان له أوفرهما

                                                                                                                                            وفوض اختياره إلى المستحق ، كقتل العمد . ومن نصر أبا بكر ، قال : هذا متعد بالزرع كله ، فكان عليه أجر المثل ، كالغاصب ، ولهذا يملك رب الأرض منعه من زرعه ، ويملك أخذه بنفقته إذا زرعه . ويفارق من زاد على حقه زيادة متميزة ، فإنه غير متعد بالجميع ، إنما تعدى بالزيادة وحدها ، ولهذا لا يملك المكري منعه من الجميع

                                                                                                                                            ونظير هاتين المسألتين ، من اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة حنطة ، فترك فيها أكثر منها ، ومن اكتراها ليجعل فيها قنطارا من القطن ، فجعل فيها قنطارا من حديد ، ففي الأولى ، له المسمى وأجر الزيادة ، وفي الثانية يخرج فيها من الخلاف مثل ما قلنا في مسألة الزرع .

                                                                                                                                            وحكم المستأجر الذي يزرع أضر مما اكترى له حكم الغاصب ، لرب الأرض منعه في الابتداء ، لما يلحقه من الضرر ، فإن زرع فرب الأرض مخير بين ترك الزرع بالأجر ، وبين أخذه ودفع النفقة ، وإن لم يعلم حتى أخذ المستأجر زرعه ، فله الأجرة لا غير ، على ما ذكرنا في باب الغصب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية