الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قوله - عز وجل -: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ؛ خطاب للمؤمنين؛ أعلموا فيه أن منافقي أهل الكتاب لا يحبونهم؛ وأنهم هم يصحبون هؤلاء المنافقين بالبر والنصيحة التي يفعلها المحب؛ وأن المنافقين على ضد ذلك؛ فأعلم الله - جل وعز - المؤمنين ما يسره المنافقون؛ وهذا من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال بعض النحويين: العرب إذا جاءت إلى اسم مكنى قد وصف ب " هذا " ؛ جعلته بين " ها " ؛ و " ذا " ؛ فيقول القائل: " أين أنت؟ " ؛ فيقول المجيب: " هأنذا " ؛ [ ص: 463 ] قال: وذلك إذا أرادوا جهة التقريب؛ قال: فإنما فعلوا ذلك ليفصلوا بين التقريب؛ وغيره؛ ومعنى التقريب عنده أنك لا تقصد الخبر عن هذا الاسم؛ فتقول: " هذا زيد " ؛ والقول في " هذا " ؛ عندنا أن الاستعمال في المضمر أكثر فقط؛ أعني أن يفصل بين " ها " ؛ و " ذا " ؛ لأن التنبيه أن يلي المضمر أبين؛ فإن قال قائل: " ها زيد ذا " ؛ و " هذا زيد " ؛ جاز؛ لا اختلاف بين الناس في ذلك؛ وهذا عندنا على ضربين: جائز أن يكون - أولا - في معنى " الذين " ؛ كأنه قيل: " هأنتم الذين تحبونهم ولا يحبونكم " ؛ وجائز أن يكون " تحبونهم " ؛ منصوبة على الحال؛ و " أنتم " ؛ ابتداء؛ و " أولاء " ؛ الخبر؛ المعنى: انظروا إلى أنفسكم؛ محبين لهم؛ نهوا في حال محبتهم إياهم؛ ولم يشرحوا لم كسرت " أولاء " ؛ و " أولاء " ؛ أصلها السكون؛ لأنها للإشارة؛ ولكن الهمزة كسرت لسكونها؛ وسكون الألف؛ و " وتؤمنون " ؛ عطف على " تحبون " ؛ ومعنى وتؤمنون بالكتاب كله أي: تصدقون بكتب الله كلها؛ وإذا لقوكم قالوا آمنا ؛ أي: نافقوكم؛ وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ؛ فأنبأ الله - عز وجل - بنفاقهم ههنا كما أنبأ به في قوله (تعالى): [ ص: 464 ] وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ؛ ويقال: " عضضت؛ أعض " ؛ ويقال: " رجل عض " ؛ إذا كان ملازم خصم؛ أي: يصر على المخاصمة؛ والفعل منه " عضضت " ؛ و " العض " : علف الأمصار الذي تعلفه الإبل؛ نحو: " النوى " ؛ و " القت " ؛ و " الكسب " ؛ وإنما قيل له: " عض " ؛ لأنه أكثر لبثا في المال؛ وأبقى شحما؛ و " الأنامل " ؛ واحدها أنملة؛ وهي أطراف الأصابع؛ ولم يأت على هذا المثال بغير هاء؛ ما يعني غير الواحد؛ إلا قولهم: " قد بلغ أشده " ؛ أما الجمع فكثير فيه؛ أو نحو " أكعب " ؛ و " أفلس " ؛ و " أيمن " ؛ و " أشمل " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية