الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 314 ] المسألة الثالثة

              السنة راجعة في معناها إلى الكتاب ; فهي تفصيل مجمله ، وبيان مشكله ، وبسط مختصره .

              وذلك لأنها بيان له وهو الذي دل عليه قوله تعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] .

              [ ص: 315 ] [ ص: 316 ] فلا تجد في السنة أمرا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية ، وأيضا ; فكل ما دل على أن القرآن هو كلية الشريعة وينبوع لها [ ص: 317 ] فهو دليل على ذلك لأن الله قال : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] [ ص: 318 ] وفسرت عائشة ذلك بأن خلقه القرآن ، واقتصرت في خلقه على ذلك ; فدل على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآن ; لأن الخلق محصور في هذه الأشياء ، ولأن الله جعل القرآن تبيانا لكل شيء ; فيلزم من ذلك أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب ، ومثله قوله : [ ص: 319 ] ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] وقوله : اليوم أكملت لكم دينكم [ المائدة : 3 ] وهو يريد بإنزال القرآن ; فالسنة إذا في محصول الأمر بيان لما فيه ، وذلك معنى كونها راجعة إليه .

              وأيضا ; فالاستقراء التام دل على ذلك حسبما يذكر بعد بحول الله وقد تقدم في أول كتاب الأدلة أن السنة راجعة إلى الكتاب ، وإلا وجب [ ص: 320 ] التوقف عن قبولها ، وهو أصل كاف في هذا المقام فإن قيل : هذا غير صحيح من أوجه : أحدها : أن الله تعالى قال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية [ النساء : 65 ] والآية نزلت في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بالسقي قبل الأنصاري من شراج الحرة الحديث مذكور في الموطأ وذلك ليس في كتاب الله تعالى [ ص: 321 ] ثم جاء في عدم الرضى به من الوعيد ما جاء ، وقال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [ النساء : 59 ] والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب ، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد موته .

              وقال : وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا [ المائدة : 92 ] وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله ; فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه ، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن ; إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله [ ص: 322 ] وقال : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة الآية [ النور : 63 ] فقد اختص الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء يطاع فيه ، وذلك السنة التي لم تأت في القرآن ، وقال : من يطع الرسول فقد أطاع الله [ النساء : 80 ] وقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول وكل ما أمر به ونهى ; فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن ; فلا بد أن يكون زائدا عليه .

              والثاني : الأحاديث الدالة على ذم ترك السنة واتباع الكتاب ; إذ لو كان ما في السنة موجودا في الكتاب لما كانت السنة متروكة على حال ، كما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : يوشك بأحدكم أن يقول : هذا كتاب الله ، ما كان فيه من حلال أحللناه ، وما كان فيه من حرام حرمناه ; ألا من بلغه عني حديث فكذب به ; فقد كذب الله ورسوله والذي حدثه [ ص: 323 ] وعنه أنه قال : يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ; فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمنا ، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي حرم الله .

              وفي رواية : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري بما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وهذا دليل على أن في السنة ما ليس في الكتاب والثالث : أن الاستقراء دل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة ، لم ينص عليها في القرآن ; كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، [ ص: 324 ] وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ، والعقل ، وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر وهو الذي نبه عليه حديث علي بن أبي طالب ; حيث قال فيه : ما عندنا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم ، وما في هذه الصحيفة .

              وفي حديث آخر عن علي أنه خطب وعليه سيف فيه صحيفة معلقة ; فقال : والله ; ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة فنشرها ; فإذا أسنان الإبل ، وإذا فيها : المدينة حرم من عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا ; فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها : ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما [ ص: 325 ] فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، وإذا فيها : من والى قوما بغير إذن مواليه ; فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .

              وجاء في حديث معاذ : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : فإن لم تجد ؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناه مما تقدم ذكره ، وهو واضح في أن في السنة ما ليس في القرآن ، وهو نحو قول من قال من العلماء : ترك الكتاب موضعا للسنة ، وتركت السنة موضعا للقرآن .

              والرابع : أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم ، خارجين عن [ ص: 326 ] السنة ; إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شيء ، فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله ; فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلمإن أخوف ما أخاف على أمتي اثنتان : القرآن ، واللبن فأما القرآن ; فيتعلمه المنافقون ليجادلوا به المؤمنين ، وأما اللبن ; فيتبعون الريف ، يتبعون الشهوات ويتركون الصلوات [ ص: 327 ] وفي بعض الأخبار عن عمر بن الخطاب : سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن ; فخذوهم بالأحاديث ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .

              وقال أبو الدرداء : إن مما أخشى عليكم : زلة العالم ، وجدال المنافق [ ص: 328 ] بالقرآن وعن عمر : ثلاث يهدمن الدين : زلة العالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون .

              وعن ابن مسعود : ستجدون أقواما يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم فعليكم بالعلم ، وإياكم والتبدع ، وإياكم والتنطع ، وعليكم بالعتيق .

              وعن عمر : إنما أخاف عليكم رجلين : رجل يتأول القرآن على غير تأويله ورجل ينافس الملك على أخيه .

              وهنا آثار في هذا المعنى حملها العلماء على تأويل القرآن بالرأي مع طرح السنن ، وعليه حمل كثير من العلماء قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا ; فسئلوا فأفتوا بغير علم ; فضلوا [ ص: 329 ] وأضلوا ، وما في معناه ; فإن كثيرا من أهل البدع هكذا فعلوا ، اطرحوا الأحاديث ، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله ; فضلوا وأضلوا .

              وربما ذكروا حديثا يعطي أن الحديث لا يلتفت إليه إلا إذا وافق كتاب الله تعالى ، وذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ; فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا ، وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني الله ؟ .

              [ ص: 330 ] [ ص: 331 ] قال عبد الرحمن ابن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث قالوا : وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه ، وقد عارض هذا الحديث قوم ; فقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله قبل كل شيء ، ونعتمد على ذلك ، قالوا : فلما عرضناه على كتاب الله ; وجدناه مخالفا لكتاب الله ، لأنا لم نجد في كتاب الله أن لا نقبل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما وافق كتاب الله ، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به ، والأمر بطاعته ، ويحذر من المخالفة عن أمره جملة على كل حال .

              هذا مما يلزم القائل : إن السنة راجعة إلى الكتاب ، ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين ، كما كان ذلك فيمن تقدم ; فالقول بها والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم ، أعاذنا الله من ذلك بمنه .

              فالجواب : أن هذه الوجوه المذكورة لا حجة فيها على خلاف ما تقدم أما الأوجه الأول ; فلأنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب ; فلا بد أن تكون بيانا لما في الكتاب احتمال له ولغيره ، فتبين السنة أحد الاحتمالين دون الآخر ، فإذا عمل المكلف على وفق البيان ; أطاع الله فيما أراد بكلامه ، وأطاع رسوله في مقتضى بيانه ، ولو عمل على مخالفة البيان ; عصى الله تعالى في [ ص: 332 ] عمله على مخالفة البيان ; إذ صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه ، وعصى رسوله في مقتضى بيانه ; فلم يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق ، وإذا لم يلزم ذلك ; لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب ، بل قد يجتمعان في المعنى ، ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين ، ولا محال فيه [ ص: 333 ] ويبقى النظر في وجود ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن ، يأتي على أثر هذا بحول الله تعالى ، وقوله في السؤال : " فلا بد أن يكون زائدا عليه " مسلم ، ولكن هذا الزائد ; هل هو زيادة الشرح على المشروح إذ كان للشرح بيان ليس في المشروح وإلا لم يكن شرحا ، أم هو زيادة معنى آخر لا يوجد في الكتاب ؟ هذا محل النزاع وعلى هذا المعنى يتنزل الوجه الثاني .

              وأيضا ; فإذا كان الحكم في القرآن إجماليا وهو في السنة تفصيلي ، فكأنه ليس إياه ; فقوله أقيموا الصلاة أجمل فيه معنى الصلاة ، وبينه عليه الصلاة والسلام ; فظهر من البيان ما لم يظهر من المبين ، وإن كان معنى البيان هو معنى المبين ، ولكنهما في الحكم يختلفان ، ألا ترى أن الوجه في المجمل قبل البيان التوقف ، وفي البيان العمل بمقتضاه ، فلما اختلفا حكما صار كاختلافهما معنى ; فاعتبرت السنة اعتبار المفرد عن الكتاب [ ص: 334 ] وأما الثالث ; فسيأتي الجواب عنه في المسألة بعد هذا إن شاء الله وأما الرابع ; فإنما وقع الخروج عن السنة في أولئك لمكان إعمالهم الرأي واطراحهم السنن ، لا من جهة أخرى ، وذلك أن السنة كما تبين توضح المجمل ، وتقيد المطلق ، وتخصص العموم ; فتخرج كثيرا من الصيغ القرآنية عن ظاهر مفهومها في أصل اللغة ، وتعلم بذلك أن بيان السنة هو مراد الله تعالى من تلك الصيغ ، فإذا طرحت واتبع ظاهر الصيغ بمجرد الهوى ; صار صاحب هذا النظر ضالا في نظره ، جاهلا بالكتاب خابطا في عمياء لا يهتدي إلى الصواب فيها ; إذ ليس للعقول من إدراك المنافع والمضار في التصرفات الدنيوية إلا النزر اليسير ، وهي الأخروية أبعد على الجملة والتفصيل وأما ما احتجوا به من الحديث ، فإن لم يصح في النقل ; فلا حجة به [ ص: 335 ] لأحد من الفريقين ، وإن صح أو جاء من طريق يقبل مثله ; فلا بد من النظر فيه ; فإن الحديث إما وحي من الله صرف ، وإما اجتهاد من الرسول عليه الصلاة والسلام معتبر بوحي صحيح من كتاب أو سنة ، وعلى كلا التقديرين لا يمكن فيه التناقض مع كتاب الله ; لأنه عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، وإذا فرع على القول بجواز الخطأ في حقه ; فلا يقر عليه ألبتة ; فلا بد من الرجوع إلى الصواب ، والتفريع على القول بنفي الخطأ أولى أن لا يحكم باجتهاده حكما يعارض كتاب الله تعالى ويخالفه .

              نعم ، يجوز أن تأتي السنة بما ليس فيه مخالفة ولا موافقة ، بل بما يكون مسكوتا عنه في القرآن ; إلا إذا قام البرهان على خلاف هذا الجائز ، وهو الذي ترجم له في هذه المسألة ; فحينئذ لا بد في كل حديث من الموافقة لكتاب الله كما صرح به الحديث المذكور ; فمعناه صحيح صح سنده أو لا .

              وقد خرج في معنى هذا الحديث الطحاوي في كتابه في بيان مشكل الحديث عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري عن أبي حميد وأبي أسيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ، وتلين له أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكم قريب ; فأنا أولاكم به ، وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم ، وتند منه أشعاركم وأبشاركم ، وترون أنه منكر ; فأنا أبعدكم منه [ ص: 336 ] وروي أيضا عن عبد الملك المذكور عن عباس بن سهل ; أن أبي بن كعب كان في مجلس ، فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت ، فلما فرغوا ; قال أي هؤلاء ! ما حديث بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفه القلب ، ويلين له الجلد ، وترجون عنده ; فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله لا يقول إلا الخير .

              وبين وجه ذلك الطحاوي أن الله تعالى قال في كتابه : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية [ الأنفال : 2 ] وقال : مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية [ الزمر : 23 ] [ ص: 337 ] وقال : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع الآية [ المائدة : 83 ] فأخبر عن أهل الإيمان بما هم عليه عند سماع كلامه ، وكان ما يحدثون به عن النبي صلى الله عليه وسلم من جنس ذلك لأنه كله من عند الله ; ففي كونهم عند الحديث على ما يكونون عليه عند سماع القرآن دليل على صدق ذلك الحديث ، وإن كانوا بخلاف ذلك وجب التوقف لمخالفته ما سواه وما قاله يلزم منه أن يكون الحديث موافقا لا مخالفا في المعنى ; إذ لو خالف لما اقشعرت الجلود ، ولا لانت القلوب ; لأن الضد لا يلائم الضد ولا يوافقه .

              وخرج الطحاوي أيضا عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام : إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله ; فإني أقول [ ص: 338 ] ما يعرف ولا ينكر ، وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به ؛ فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف .

              ووجه ذلك أن المروي إذا وافق كتاب الله وسنة نبيه لوجود معناه في [ ص: 339 ] ذلك ; وجب قبوله لأنه إن لم يثبت أنه قاله بذلك اللفظ ; فقد قال معناه بغير ذلك من الألفاظ ، إذ يصح تفسير كلامه عليه الصلاة والسلام للأعجمي بكلامه ، وإذا كان الحديث مخالفا يكذبه القرآن والسنة ; وجب أن يدفع ، ويعلم أنه لم يقله ، وهذا مثل ما تقدم أيضا .

              والحاصل من الجميع صحة اعتبار الحديث بموافقة القرآن وعدم مخالفته ، وهو المطلوب على فرض صحة هذه المنقولات ، وأما إن لم تصح فلا علينا إذ المعنى المقصود صحيح ، ويحقق ذلك ما تقدم في المسألة الثانية من الطرف الأول من كتاب الأدلة ; ففي ذلك الموضع من أمثلة هذا الأصل في الموافقة والمخالفة جملة كافية ، وبالله التوفيق ، وإذا ثبت هذا بقي النظر في الوجه الذي دل الكتاب به على السنة ; حتى صار متضمنا لكليتها في الجملة وإن كانت بيانا له في التفصيل وهي :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية