الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ومن سمع الأذان فعليه أن يجيب وإن كان جنبا ; لأن [ ص: 273 ] إجابة المؤذن ليست بأذان وفي فتاوى قاضي خان إجابة المؤذن فضيلة وإن تركها لا يأثم ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام { من لم يجب الأذان فلا صلاة له } فمعناه الإجابة بالقدم لا باللسان فقط ، وفي المحيط يجب على السامع للأذان الإجابة ويقول مكان حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله ومكان حي على الفلاح ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ; لأن إعادة ذلك يشبه الاستهزاء ; لأنه ليس بتسبيح ولا تهليل وكذا إذا قال الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت ولا يقرأ السامع ولا يسلم ولا يرد السلام ولا يشتغل بشيء سوى الإجابة ولو كان السامع يقرأ يقطع القراءة ويجيب وقال الحلواني الإجابة بالقدم لا باللسان حتى لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مجيبا ولو كان في المسجد حين سمع الأذان ليس عليه الإجابة وفي الظهيرية ولو كان الرجل في المسجد يقرأ القرآن فسمع الأذان لا يترك القراءة ; لأنه أجابه بالحضور ولو كان في منزله يترك القراءة ويجيب لعله متفرع على قول الحلواني والظاهر أن الإجابة باللسان واجبة لظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم { إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول } إذ لا تظهر قرينة تصرف عنه بل ربما يظهر استنكار تركه ; لأنه يشبه عدم الالتفات إليه والتشاغل عنه وفي شرح النقاية ومن سمع الإقامة لا يجيب ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندهما وفي فتح القدير إن إجابة الإقامة مستحبة وفي غيره أنه يقول إذا سمع قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها وفي التفاريق إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن أذنوا واحدا بعد واحد فالحرمة للأول وسئل ظهير الدين عمن سمع في وقت من جهات ماذا عليه قال إجابة أذان مسجده بالفعل وفي فتح القدير وهذا ليس مما نحن فيه إذ مقصود السائل أي مؤذن يجيب باللسان استحبابا أو وجوبا والذي [ ص: 274 ] ينبغي إجابة الأول سواء كان مؤذن مسجده أو غيره ; لأنه حيث سمع الأذان ندب له الإجابة أو وجبت على القولين وفي القنية سمع الأذان وهو يمشي فالأولى أن يقف ساعة ويجيب . وعن عائشة رضي الله عنها إذا سمع الأذان فما عمل بعده فهو حرام وكانت تضع مغزلها وإبراهيم الصائغ يلقي المطرقة من ورائه ورد خلف شاهدا لاشتغاله بالنسيج حالة الأذان وعن السلماني كان الأمراء يوقفون أفراسهم له ويقولون كفوا . ا هـ .

                                                                                        وأما الحوقلة عند الحيعلة فهو وإن خالف ظاهر قوله عليه السلام { فقولوا مثل ما يقول } لكنه ورد فيه حديث مفسر لذلك رواه مسلم واختار المحقق في فتح القدير الجمع بين الحوقلة والحيعلة عملا بالأحاديث ; لأنه ورد في بعض الصور طلبها صريحا في مسند أبي يعلى إذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة إلى آخره وقولهم إنه يشبه الاستهزاء لا يتم إذ لا مانع من صحة اعتبار المجيب بهما داعيا لنفسه محركا منها السواكن مخاطبا لها ، وقد أطال رحمه الله الكلام فيه وبهذا ظهر أن ما في غاية البيان من أن سامع الحيعلة لا يقول مثل ما يقول المؤذن ; لأنه يشبه الاستهزاء وما يفعله بعض الجهلة فذاك ليس بشيء . ا هـ . لأنه كيف ينسب فاعله إلى الجهل مع وروده في بعض الأحاديث والأصول تشهد له ; لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلا لا يخصص بل يعارض أو يقدم العام وقال به بعض مشايخنا كما في الظهيرية وفي فتح القدير ، وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ، ثم يتبرأ من الحول والقوة ليعمل بالحديثين وفي حديث عمرو بن أبي أمامة التنصيص على أن لا يسبق المؤذن بل يعقب كل جملة منه بجملة منه . ا هـ .

                                                                                        ولم أر حكم ما إذا فرغ المؤذن ولم يتابعه السامع هل يجيب بعد فراغه وينبغي أنه إن طال الفصل لا يجيب وإلا يجيب وفي المجتبى في ثمانية مواضع إذا سمع الأذان لا يجيب في الصلاة واستماع خطبة الجمعة وثلاث خطب الموسم والجنازة وفي تعلم العلم وتعليمه والجماع والمستراح وقضاء الحاجة والتغوط ، قال أبو حنيفة لا يثني بلسانه وكذا الحائض والنفساء لا يجوز أذانهما وكذا ثناؤهما . ا هـ .

                                                                                        والمراد بالثناء الإجابة وكذا لا تجب الإجابة عند الأكل كما صرح به وفي صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة } وفي المجتبى من كتاب الشهادات من سمع الأذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل شهادته .

                                                                                        ( قوله : ويجعل أصبعيه في أذنيه ) لقوله صلى الله عليه وسلم { اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك } والأمر للندب بقرينة التعليل فلهذا لو لم يفعل كان حسنا وكذا لو جعل يديه على أذنيه ، فإن قيل ترك السنة كيف يكون حسنا قلنا : لأن الأذان معه أحسن فإذا تركه بقي الأذان حسنا ، كذا في الكافي فالحسن راجع إلى الأذان ، وإنما كان ذلك أبلغ في الإعلام ; لأن الصوت يبدأ من مخارج النفس فإذا سد أذنيه اجتمع النفس في الفم فخرج الصوت عاليا من غير ضرورة وفيه فائدة أخرى وهي ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدل بأصبعيه على أذانه ولا يستحب وضع الأصبع في الأذن في الإقامة لما قدمنا أن الإقامة أخفض من الأذان . ( قوله : ويثوب ) أي المؤذن والتثويب العود إلى الإعلام بعد الإعلام ومنه الثيب ; لأن مصيبها عائد إليها والثواب ; لأن منفعة عمله تعود إليه والمثابة ; لأن الناس يعودون إليه ووقته بعد الأذان على الصحيح كما ذكره قاضي خان وفسره في رواية الحسن بأن يمكث بعد الأذان قدر عشرين آية ، ثم يثوب ، ثم يمكث كذلك ، ثم يقيم وهو نوعان قديم وحادث فالأول الصلاة خير من النوم وكان بعد الأذان إلا أن علماء الكوفة ألحقوه بالأذان والثاني [ ص: 275 ] أحدثه علماء الكوفة بين الأذان والإقامة حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين وأطلق في التثويب فأفاد أنه ليس له لفظ يخصه بل تثويب كل بلد على ما تعارفوه إما بالتنحنح أو بقوله الصلاة الصلاة أو قامت قامت ; لأنه للمبالغة في الإعلام ، وإنما يحصل بما تعارفوه فعلى هذا إذا أحدث الناس إعلاما مخالفا لما ذكر جاز ، كذا في المجتبى

                                                                                        وأفاد أنه لا يخص صلاة بل هو في سائر الصلوات وهو اختيار المتأخرين لزيادة غفلة الناس وقلما يقومون عند سماع الأذان وعند المتقدمين هو مكروه في غير الفجر وهو قول الجمهور كما حكاه النووي في شرح المهذب لما روي أن عليا رأى مؤذنا يثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد وعن ابن عمر مثله ولحديث الصحيحين { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وأفاد أنه لا يخص شخصا دون آخر فالأمير وغيره سواء وهو قول محمد ; لأن الناس سواسية في أمر الجماعة وخص أبو يوسف الأمير وكل من كان مشتغلا بمصالح المسلمين كالمفتي والقاضي والمدرس بنوع إعلام بأن يقول السلام عليك أيها الأمير حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله واختاره قاضي خان وغيره لكن ذكر ابن الملك أن أبا حنيفة مع محمد وعاب عليه محمد فقال أف لأبي يوسف حيث يخص الأمراء بالذكر والتثويب ومال إليهم ولكن أبا يوسف رحمه الله إنما خص أمراء زمانه ; لأنهم كانوا مشغولين بأمور الرعية ، أما إذا كان مشغولا بالظلم والفسق فلا يجوز للمؤذن المرور على بابه ولا التثويب لهم إلا على وجه الأمر بالمعروف والنصيحة كما في السراج الوهاج وغيره وقيد بكون المثوب هو المؤذن لما في القنية معزيا للملتقط لا ينبغي لأحد أن يقول لمن فوقه في العلم والجاه حان وقت الصلاة سوى المؤذن ; لأنه استفضال لنفسه ( فرع )

                                                                                        في شرح المهذب للشافعية يكره أن يقال في الأذان حي على خير العمل ; لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والزيادة في الأذان مكروهة . ا هـ . وقد سمعناه الآن عن الزيدية ببعض البلاد .

                                                                                        [ ص: 273 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 273 ] ( قوله : وقال الحلواني إلخ ) قال في النهر أقول : ينبغي أن لا تجب باللسان اتفاقا على قول الإمام في الأذان بين يدي الخطيب وأن تجب بالقدم اتفاقا في الأذان الأول ومن الجمعة حيث لم يكن في المسجد وباللسان أيضا على الأول إلا أن يقال الواجب إنما هو السعي لا إجابة المؤذن وأثر الخلاف يظهر فيما لو سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة على الأول للإجابة لا على الثاني ، وصرح في المحيط والتحفة بأنه على الأول لا يسلم ولا يشتغل بما سوى الإجابة وهو صريح في كراهة الكلام عند الأذان فما في التجنيس من أنه لا يكره إجماعا استدلالا باختلافهم في كراهته عند أذان الخطبة فإن الإمام إنما كرهه لإلحاق هذه الحالة بحالة الخطبة فكان هذا اتفاقا على أنه لا يكره في غير هذه الحالة ممنوع ، واعلم أن قول الحلواني بوجوب الإجابة بالقدم مشكل ; لأنه يلزم عليه وجوب الأداء في أول الوقت وفي المسجد إذ لا معنى لإيجاب الذهاب دون الصلاة وما في شهادات المجتبى سمع الأذان وانتظر الإقامة في بيته لا تقبل شهادته مخرج على قوله كما لا يخفى ، وقد سألت شيخنا الأخ عن هذا فلم يبد جوابا . ا هـ .

                                                                                        وقد يجاب بأن ذلك مبني على ما كان في زمن السلف من صلاة الجماعة مرة واحدة وعدم تكررها كما هو في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي كان يصلي بأصحابه فإذا فرغ فمن تخلف تفوته الجماعة وسيأتي أن الراجح عند أهل المذهب وجوب الجماعة فيجب السعي إليها عند وقتها وذلك بالأذان كما في السعي يوم الجمعة يجب بالأذان لأجل الصلاة لا لذاته فتأمل ذلك فلعله يحصل به التوفيق بين كل من القولين ويؤيد هذا ما سيأتي من أن تكرار الجماعة في مسجد واحد مكروه ، قال في شرح الدرر والغرر وفي الكافي ولا تكرر جماعة وقال الشافعي رحمه الله يجوز كما في المسجد الذي على قارعة الطريق لنا أنا أمرنا بتكثير الجماعة وفي تكرار الجماعة في مسجد واحد تقليلها ; لأنهم إذا عرفوا أنهم تفوتهم الجماعة يتعجلون للحضور فتكثر الجماعة ، وفي المفتاح إذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كره جماعة بأذان وإقامة ولكنهم يصلون وحدانا بغير أذان ولا إقامة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فرجع بعدما صلى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته وجمع أهله فصلى بهم بأذان وإقامة ، فلو كان يجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة فيه والصلاة فيه أفضل . ا هـ .

                                                                                        فقد ظهر لك أن القول بوجوب السعي بالقدم ظاهر ; لأن التخلف يلزمه أحد أمرين تفويت الجماعة أو إعادتها وكل منهما غير جائز ، فإن قلت : مقتضى ما قلته أن يكون الظاهر قول الحلواني خلافا لما استظهره الشارح هنا وغيره قلت : لا ; لأنه لو جمع بأهله فقد أتى بفضيلة الجماعة كما سيذكره هناك وسنذكر عن القنية أنه الأصح ، فإن قلت : فعلى هذا لا يلزم أحد المحذورين اللذين ذكرتهما قلت : لا بل يلزم ; لأن الكلام مبني على قول الحلواني وسيأتي في باب الإمامة أنه سئل عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة قال لا ويكون بدعة ومكروها بلا عذر وسنذكر هناك أن الظاهر أن ذلك مبني على قوله بوجوب الإجابة بالقدم ، والله تعالى أعلم . فقد اتضح الحال وطاح الإشكال . ( قوله : فقولوا مثل ما يقول إلخ ) الظاهر أن المراد بالمماثلة ههنا المشابهة في مجرد القول لا في صفته كرفع الصوت . ا هـ . سيد زاده [ ص: 274 ]

                                                                                        ( قوله : وقد رأينا من مشايخ السلوك إلخ ) أقول : من كان يقول بالجمع من مشايخ السلوك سلطان العارفين سيدي محيي الدين بن العربي كما ذكره في كتابه الفتوحات المكية . ( قوله : وينبغي أنه إن طال الفصل إلخ ) سبقه إليه من الشافعية العلامة ابن حجر في شرحه على المنهاج حيث قال فلو سكت حتى فرغ كل الأذان ثم أجاب قبل فاصل طويل كفى في أصل سنة الإجابة كما هو ظاهر . ا هـ . [ ص: 275 ]

                                                                                        ( قوله : سواسية ) أي سواء تقول هما في هذا الأمر سواء وإن شئت سوآن وهم سواء للجمع وهم أسواء وهم سواسية أي أشباه على غير قياس مثل ثمانية ، كذا في النهاية عن الصحاح . ( قوله : فقال أف لأبي يوسف إلخ ) قال في النهر قول محمد رحمه الله ذلك إنما كان لما بينهما من الشغل والبشر لا يخلو عن التغير والظن به أنه تاب وإلى الله تعالى أناب ، كذا في الدراية




                                                                                        الخدمات العلمية