الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( وصح السلم والاستصناع في نحو خف وطست ) أما السلم فلإمكان ضبط الصفة ومعرفة المقدار فكان سلما باستجماع شرائطه ، وأما الاستصناع فالكلام فيه في مواضع الأول في معناه لغة فهو طلب الصنعة وفي القاموس الصناعة ككتابة حرفة الصانع وعمله الصنعة . ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا الاستصناع لغة طلب عمل الصانع وشرعا أن يقول لصاحب خف أو مكعب أو صفار اصنع لي خفا طوله كذا وسعته كذا أو دستا أي برمة تسع كذا ووزنها كذا على هيئة كذا بكذا وكذا ويعطي الثمن المسمى أو لا يعطي شيئا فيقبل الآخر منه الثاني في دليله وهو الإجماع العملي وهو ثابت بالاستحسان والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر لكونه بيع المعدوم وتركناه للتعامل ولا تلزم المعاملة والمزارعة على قول أبي حنيفة لفسادهما مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول وهذا بالاتفاق فلهذا قصرناه على ما فيه تعامل وفيما لا تعامل فيه رجعنا فيه إلى القياس كان يستصنع حائكا أو خياطا لينسج له أو يخيط له قميصا بغزل نفسه وفي القنية دفع مصحفا إلى مذهب ليذهبه بذهب من عنده وأراه الذهب أنموذجا من الأعشار والأخماس ورءوس الآي وأوائل السور فأمره رب المصحف أن يذهبه كذلك بأجرة معلومة لا يصح .

                                                                                        سئل عمر النسفي عمن دفع إلى حائك غزلا لينسج له عمامة من سداه فجاء بها منسوجة فقال صاحب الغزل اشتريت منك ما في هذا المنسوج من الإبريسم بكذا ، وقال الآخر بعت هل يصح فقال بيع ما صار على الآمر للمأمور من الإبريسم السدا بالعقد الأول صار ملكا للآمر قال أبو الفضل الإبريسم دين على الآمر وأجرة العمل عليه . قال لنجار ابن لي بيتا فإذا بنيته يقومه المقومون فما يقولون أدفعه إليك فرضيا به وبناه وقومه رجل باتفاقهما وأبى الصانع فله أجر مثله ، وقال أبو حامد وحمير الوبري هو بمنزلة المقوم لا الحكم فلا يلزمه تقويمه . ا هـ .

                                                                                        الثالث : في صفته فقد اختلفوا في كونه مواعدة أو معاقدة فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنشور مواعدة ، وإنما ينعقد عند الفراغ بالتعاطي ولهذا كان للصانع أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي ويرجع عنه والصحيح من المذهب [ ص: 186 ] جوازه بيعا ; لأن محمدا ذكر فيه القياس والاستحسان وهما لا يجريان في المواعدة ولأن جوازه فيما فيه تعامل خاصة ، ولو كان مواعدة لجاز في الكل وسماه أيضا شراء فقال إذا رآه المستصنع فله الخيار ; لأنه اشترى ما لم يره ولأن الصانع يملك الدراهم بقبضها ، ولو كانت مواعدة لم يملكها .

                                                                                        وإثبات أبي اليسر الخيار لكل منهما لا يدل على أنه غير بيع كما في بيع المقايضة وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيه المعدوم موجودا وهو كثير في الشرع كطهارة صاحب العذر وتسمية الذابح إذا نسيها والرهن بالدين الموعود وقراءة المأموم والرابع في المعقود عليه فاختلف فيه فالمذهب المرضي في الهداية أنه العين دون العمل ، وقال البردعي المعقود عليه العمل دون العين ; لأن الاستصناع ينبئ عنه والأديم والصرم بمنزلة الصبغ والدليل على المذهب ما ذكرناه من قول محمد لأنه اشترى ما لم يره ولذا لو جاء به مفروغا لا من صنعته أو من صنعته قبل العقد فأخذه جاز ، وإنما يبطله بموت الصانع لشبهه بالإجارة .

                                                                                        وفي الذخيرة هو إجارة ابتداء بيع انتهاء لكن قبل التسليم لا عند التسليم بدليل قولهم إذا مات الصانع يبطل ولا يستوفي المصنوع من تركته ذكره محمد في كتاب البيوع وإنما لم يجبر الصانع على العمل والمستصنع على إعطاء المسمى ; لأنه لا يمكنه إلا بإتلاف عين ماله والإجارة تفسخ بهذا العذر الخامس في حكمه وهو الجواز دون اللزوم ; لأن جوازه للحاجة وهي في الجواز لا اللزوم ولذا قلنا للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع ; لأن العقد غير لازم ، وأما بعدما رآه فالأصح أنه لا خيار للصانع بل إذا قبله المستصنع أجبر على دفعه له ; لأنه بالآخرة بائع له وتفرع على عدم لزومه ما في فتاوى قاضي خان من الدعوى رجل استصنع رجلا في شيء ، ثم اختلفا في المصنوع فقال المستصنع لم تفعل ما أمرتك به ، وقال الصانع فعلت قالوا لا يمين فيه لأحدهما على الآخر ، ولو ادعى الصانع على رجل أنك استصنعت إلي في كذا وأنكر المدعى عليه لا يحلف . ا هـ .

                                                                                        قوله ( وله الخيار ) أي للمستصنع الخيار ( إذا رأى المصنوع ) لما قدمناه أنه اشترى ما لم يره بخلاف السلم ; لأنه لا فائدة في إثبات الخيار فيه لأنه كلما رآه عليه أعطاه غيره لكونه غير متعين إذ المسلم فيه في الذمة فيبقى فيها إلى أن يقبضه قيد به لأنه لا خيار للصانع ; لأنه باع ما لم يره وعن أبي حنيفة أن له الخيار ; لأنه يلحقه الضرر بقطع الصرم والصحيح الأول قوله ( وللصانع بيعه قبل أن يراه ) أي المستصنع ; لأنه لا يتعين إلا باختياره قيد بقوله قبل أن يراه ; لأنه إذا رآه ورضي به امتنع على الصانع بيعه لأنه بالإحضار أسقط خيار ولزم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وفي القنية دفع مصحفا إلى قوله لم يصح ) قال في النهر وكأنه لعدم التعامل . [ ص: 186 ] ( قوله : لكن قبل التسليم لا عند التسليم ) قال في الكفاية ولهذا يبطل بموت الصانع ولا يستوفى من تركته ، ولو انعقد بيعا ابتداء وانتهاء لكان لا يبطل بموته كما في بيع العين والسلم ويثبت له خيار الرؤية ولو كان ينعقد عند التسليم لا قبله بساعة لم يثبت خيار الرؤية لأنه يكون مشتريا ما رآه وتمامه فيه وفي نور العين في إصلاح جامع الفصولين نقلا عن فتاوى ظهير الدين وينعقد إجارة ابتداء وبيعا انتهاء متى سلم حتى لو مات الصانع قبل التسليم بطل ولا يستوفى المصنوع من تركته وينعقد بيعا عند التسليم حتى لو سلم يثبت خيار الرؤية ثم نقل بعده عبارة الذخيرة ثم قال فبين ما في الكتابين تعارض ولعل الصواب هو الأول كما لا يخفى على من تأمل ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية