قال المصنف رحمه الله تعالى باب تعجيل الصدقة : ( ; لأنه لم يوجد سبب وجوبها فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع والدية قبل القتل ، وإن ملك النصاب جاز تقديم زكاته قبل الحول ; لما روى كل مال وجبت فيه الزكاة بالحول والنصاب لم يجز تقديم زكاته قبل أن يملك النصاب رضي الله عنه أن { علي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعجل زكاة ماله قبل محلها ، فرخص له في ذلك العباس } ; ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل محله كالدين المؤجل ودية الخطأ ، وفي تعجيل زكاة عامين وجهان : قال : يجوز ; لما روى أبو إسحاق رضي الله عنه أن { علي صدقة عامين العباس } ; ولأن ما جاز فيه تعجيل حق العام منه جاز تعجيل حق العامين [ ص: 113 ] كدية الخطأ . ومن إصحابنا من قال : لا يجوز ; لأنها زكاة لم ينعقد حولها فلم يجز تقديمها كالزكاة قبل أن يملك النصاب ) . النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من
- ملك مائتي شاة فعجل عنها وعما يتوالد من سخالها أربع شياه
- عجل زكاة ماله ثم هلك النصاب أو هلك بعضه قبل الحول
- عجل الزكاة ودفعها إلى فقير فمات الفقير أو ارتد قبل الحول
- فرع عجل بنت مخاض عن خمس وعشرين فبلغت بالتوالد ستا وثلاثين قبل الحول
- فرع عجل الزكاة فمات المدفوع إليه قبل الحول
- تسلف الوالي الزكاة وهلك في يده
- ما تجب الزكاة فيه من غير حول
- فرع مسائل تتعلق بباب صدقة الفطر
التالي
السابق
( الشرح ) : حديث رضي الله عنه رواه علي أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد حسن ولفظه : " عن أن علي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في { العباس } قال تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك أبو داود : ورواه عن هشيم عن منصور بن زاذان الحكم عن الحسن بن مسلم التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني مرسلا قال : وهو أصح ، وفي رواية للترمذي : عن { علي : إنا قد أخذنا زكاة لعمر عام أول للعام العباس } قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الترمذي : والأول أصح من هذا . قال وقد روي الأول مرسلا يعني رواية الحسن بن مسلم وكذا قال : اختلفوا في وصله وإرساله ، قال : والصحيح الإرسال ، وقال الدارقطني : ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أدري أيثبت أم لا ؟ " أنه تسلف صدقة الشافعي قبل أن تحل " قال العباس : يعني حديث البيهقي هذا . وذكر علي اختلاف طرقه ثم قال : وأصحها رواية الإرسال عن البيهقي الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم روى : تسلف صدقة عامين بإسناده عن البيهقي أبي البختري عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { علي صدقة عامين العباس } قال إنا كنا احتجنا فاستسلفنا : وهذا مرسل بين البيهقي أبي البختري وعن رضي الله عنه واحتج علي والأصحاب للتعجيل بحديث البيهقي قال : { أبي هريرة رضي الله عنه على الصدقة فقيل : منع عمر ابن جميل وخالد بن الوليد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ينقم والعباس ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ، وأما فإنكم تظلمون خالد قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله ، وأما خالدا فهو علي ومثلها معها ، ثم قال : يا العباس ، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه . عمر } رواه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم البخاري ، والصنو - بكسر الصاد المهملة - : المثل ، وهذا لفظ رواية ومسلم . مسلم
واحتج والأصحاب أيضا بحديث [ ص: 114 ] الشافعي " عن نافع كان يعطيها للذين يقبلونها ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " رواه ابن عمر قال البخاري الترمذي : وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز . إذا عرفت هذا حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا ، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن تعجيل الزكاة يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أمور أربعة ، وهي أن يسند من جهة أخرى ، أو يرسل ، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به ، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن الشافعي رضي الله عنه الأمور الأربعة فإنه روي في الصحيحين معناه من حديث علي السابق وروي هو أيضا مرسلا ومتصلا كما سبق ، وقال به من الصحابة أبي هريرة ، وقال به أكثر العلماء ، كما نقله ابن عمر الترمذي فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به . والله أعلم .
( أما أحكام الفصل ) فقال والأصحاب رحمهم الله : المال الزكوي ضربان : ( أحدهما ) متعلق بالحول ، والآخر غير متعلق ، وذكر الشافعي المصنف النوع الأول في أول الباب ، والثاني في آخره ، ( أما ) الأول بلا خلاف ; لما ذكره كزكاة الماشية والنقد والتجارة فلا يجوز تعجيل الزكاة فيه قبل ملك النصاب المصنف ، ويجوز بعد ملك النصاب وانعقاد الحول ، وله التعجيل من أول الحول ولو بعد لحظة من انعقاده .
وقال : لا يجوز التعجيل مطلقا وحكاه ابن المنذر الماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في المجموع والبندنيجي وآخرون من أصحابنا وجها عن أبي عبيد بن حربويه من أصحابنا ، وهذا شاذ باطل مردود ، مخالف لنص والأصحاب في جميع الطرق والدليل قال أصحابنا : وإنما يجوز التعجيل بعد تمام النصاب إن كانت الزكاة عينية ، فأما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوي مائة درهم بمائة فعجل زكاة مائتين ، وحال الحول ، وهو يساوي مائتين ، فيجزئه المعجل عن الزكاة على الصحيح ; لأن الاعتبار في العروض بآخر الحول ، هكذا ذكره الشافعي البغوي . ولو ملك أربعين شاة معلوفة فعجل شاة وهو عازم على إسامتها حولا ثم أسامها لم يقع المعجل زكاة بلا خلاف ; لأن المعلوف ليست مال زكاة ، فهو كما دون النصاب ، وإنما يصح التعجيل بعد انعقاد الحول ، [ ص: 115 ] ولا حول للمعلوفة بخلاف عرض التجارة في المسألة قبلها .
واحتج والأصحاب أيضا بحديث [ ص: 114 ] الشافعي " عن نافع كان يعطيها للذين يقبلونها ، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " رواه ابن عمر قال البخاري الترمذي : وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز . إذا عرفت هذا حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا ، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن تعجيل الزكاة يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أمور أربعة ، وهي أن يسند من جهة أخرى ، أو يرسل ، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به ، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن الشافعي رضي الله عنه الأمور الأربعة فإنه روي في الصحيحين معناه من حديث علي السابق وروي هو أيضا مرسلا ومتصلا كما سبق ، وقال به من الصحابة أبي هريرة ، وقال به أكثر العلماء ، كما نقله ابن عمر الترمذي فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به . والله أعلم .
( أما أحكام الفصل ) فقال والأصحاب رحمهم الله : المال الزكوي ضربان : ( أحدهما ) متعلق بالحول ، والآخر غير متعلق ، وذكر الشافعي المصنف النوع الأول في أول الباب ، والثاني في آخره ، ( أما ) الأول بلا خلاف ; لما ذكره كزكاة الماشية والنقد والتجارة فلا يجوز تعجيل الزكاة فيه قبل ملك النصاب المصنف ، ويجوز بعد ملك النصاب وانعقاد الحول ، وله التعجيل من أول الحول ولو بعد لحظة من انعقاده .
وقال : لا يجوز التعجيل مطلقا وحكاه ابن المنذر الماوردي والقاضي أبو الطيب والمحاملي في المجموع والبندنيجي وآخرون من أصحابنا وجها عن أبي عبيد بن حربويه من أصحابنا ، وهذا شاذ باطل مردود ، مخالف لنص والأصحاب في جميع الطرق والدليل قال أصحابنا : وإنما يجوز التعجيل بعد تمام النصاب إن كانت الزكاة عينية ، فأما إذا اشترى عرضا للتجارة يساوي مائة درهم بمائة فعجل زكاة مائتين ، وحال الحول ، وهو يساوي مائتين ، فيجزئه المعجل عن الزكاة على الصحيح ; لأن الاعتبار في العروض بآخر الحول ، هكذا ذكره الشافعي البغوي . ولو ملك أربعين شاة معلوفة فعجل شاة وهو عازم على إسامتها حولا ثم أسامها لم يقع المعجل زكاة بلا خلاف ; لأن المعلوف ليست مال زكاة ، فهو كما دون النصاب ، وإنما يصح التعجيل بعد انعقاد الحول ، [ ص: 115 ] ولا حول للمعلوفة بخلاف عرض التجارة في المسألة قبلها .
ولو فوجهان ذكرهما عجل صدقة عامين بعد انعقاد الحول أو أكثر من عامين المصنف بدليليهما وهما مشهوران : ( أحدهما ) يجوز ; للحديث .
( والثاني ) لا يجوز ، وأجاب البغوي والأصحاب عن الحديث بأن المراد تسلف دفعتين ، في كل دفعة صدقة عام أو سنة ، واختلفوا في الأصح من هذين الوجهين ، فصححت طائفة الجواز وهو قول ، وممن صححه أبي إسحاق المروزي البندنيجي والغزالي في الوسيط والجرجاني والشاشي والعبدري ، وصحح البغوي وآخرون المنع ، قال الرافعي : صحح الأكثرون المنع ، ( فإذا قلنا ) بالجواز فاتفق أصحابنا على أنه لا فرق بين عامين وأكثر حتى لو عجل عشرة أعوام أو أكثر جاز على هذا الوجه ، بشرط أن يبقى بعد المعجل نصاب ، فلو كان له خمسون شاة فعجل عشرا منها لعشر سنين جاز ، فلو نقص المال بالتعجيل عن النصاب في الحول الثاني ، لم يجز التعجيل لغير العام الأول وجها واحدا ، هكذا قاله الجمهور ; لأن الحول الثاني لا ينعقد على نصاب ، وحكى البغوي والسرخسي وجها شاذا أنه لا يجوز ; لأن المعجل كالباقي على ملكه ، وإذا جوزنا صدقة عامين فهل يجوز أن ينوي تقديم زكاة السنة الثانية على الأولى ؟ فيه وجهان حكاهما أبو الفضل بن عبدان كتقديم الصلاة الثانية على الأولى إذا جمع في وقت الصلاة الثانية .
( والثاني ) لا يجوز ، وأجاب البغوي والأصحاب عن الحديث بأن المراد تسلف دفعتين ، في كل دفعة صدقة عام أو سنة ، واختلفوا في الأصح من هذين الوجهين ، فصححت طائفة الجواز وهو قول ، وممن صححه أبي إسحاق المروزي البندنيجي والغزالي في الوسيط والجرجاني والشاشي والعبدري ، وصحح البغوي وآخرون المنع ، قال الرافعي : صحح الأكثرون المنع ، ( فإذا قلنا ) بالجواز فاتفق أصحابنا على أنه لا فرق بين عامين وأكثر حتى لو عجل عشرة أعوام أو أكثر جاز على هذا الوجه ، بشرط أن يبقى بعد المعجل نصاب ، فلو كان له خمسون شاة فعجل عشرا منها لعشر سنين جاز ، فلو نقص المال بالتعجيل عن النصاب في الحول الثاني ، لم يجز التعجيل لغير العام الأول وجها واحدا ، هكذا قاله الجمهور ; لأن الحول الثاني لا ينعقد على نصاب ، وحكى البغوي والسرخسي وجها شاذا أنه لا يجوز ; لأن المعجل كالباقي على ملكه ، وإذا جوزنا صدقة عامين فهل يجوز أن ينوي تقديم زكاة السنة الثانية على الأولى ؟ فيه وجهان حكاهما أبو الفضل بن عبدان كتقديم الصلاة الثانية على الأولى إذا جمع في وقت الصلاة الثانية .