الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1645 [ ص: 33 ] ( 3 ) باب ما جاء في تحريم المدينة

                                                                                                                        1644 - مالك ، عن عمرو مولى المطلب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلع له أحد . فقال : " هذا جبل يحبنا ونحبه ، اللهم إن إبراهيم حرم مكة ، وأنا أحرم ما بين لابتيها " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        38588 - هكذا روى مالك هذا الحديث مختصرا .

                                                                                                                        38589 - ورواه إسماعيل بن جعفر فذكر فيه معاني ، ولم يذكرها مالك ، ذكره سنيد قال : حدثني إسماعيل بن جعفر ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن حنطب ، أنه سمع أنس بن مالك ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة : " التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني " . فخرج أبو طلحة يردفني وراءه ، فكنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما نزل ، فكنت أسمعه يكثر أن يقول : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن والبخل ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال " . فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر ، وأقبل بصفية بنت حيي ، قد جاءوا بها وأردفها خلفه وراءه على كسائها حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيسا في نطع ، ثم أرسلني فدعوت رجالا فأكلوا وكان ذلك بناؤه بها . ثم أقبل حتى إذا بدا [ ص: 34 ] له أحد قال : " هذا جبل يحبنا ونحبه " ، فلما أشرف على المدينة قال : " اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم " .

                                                                                                                        38590 - قال أبو عمر : أما قوله - صلى الله عليه وسلم - ، في أحد : " جبل يحبنا ونحبه " فأكثر العلماء يحملونه على المجاز ، والمعنى عندهم في ذلك كالمعنى في قول الله تعالى : " واسأل القرية " [ يوسف : 82 ] ، يعني : واسأل أهل القرية ، فكذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحد : هذا جبل يحبنا ونحبه " ، يعني الأنصار الساكنين قربه ، وكانوا يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأعانوه على إقامة دينه - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        38591 - وقد قيل في المجاز أيضا وجه آخر ، وذلك أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يفرح بأحد إذا طلع له استبشارا بالمدينة ومن فيها من أهله وذريته ، ويحب النظر إليهم ويبتهج للأوبة من سفره والنزول على أهله وأحبته .

                                                                                                                        38592 - وقوله : " يحبنا " . أي : لو كان ممن يصح منه الحب لأحبنا كما نحبه .

                                                                                                                        38593 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا بشواهد في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 35 ] 38594 - وقد قيل : إن محبته حقيقية ، كما يسبح كل شيء حقيقة ، ولكن لا يفهم ذلك الناس ، وغير نكير أن يصنع الله محبة رسوله في الجماد وفيما لا يعقل كعقل الآدميين ، كما وضع الله خشيته في الحجارة ، فأخبر في محكم كتابه بأن منها ما يهبط من خشية الله ، وكما وضع في الجذع محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى حن إليه حنين الناقة لولدها .

                                                                                                                        38595 - رواه أنس وجابر وغيره .

                                                                                                                        38596 - وقد ذكرناه من طرق في غير هذا الموضع ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب إلى جذع ، فلما صنع له المنبر ، وخطب عليه ، حن الجذع حنين الناقة إليه ، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحتضنه فسكن .

                                                                                                                        38597 - ومثل هذا كثير قال الله - عز وجل - : " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [ الإسراء : 44 ] .

                                                                                                                        38598 - وأما قوله : " إن إبراهيم حرم " فقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، وحديث جابر ، وحديث رافع بن خديج وحديث سعد بن أبي وقاص ، كما روي من حديث أنس .

                                                                                                                        38599 - وقد ذكرناها بالأسانيد في " التمهيد " .

                                                                                                                        386600 - وروى ابن عباس ، وأبو شريح الكعبي الخزاعي ، وأبو هريرة ، أن [ ص: 36 ] الله حرم مكة ، ولم يحرمها الناس .

                                                                                                                        38601 - حدثني عبد الوارث قال : حدثني قاسم قال : حدثني أحمد بن زهير قال : حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير قال : حدثني أبي قال : سمعت يونس بن يزيد عن الزهري ، عن مسلم بن يزيد أحد بني سعد بن بكر أنه سمع أبا شريح بن عمرو الخزاعي ثم الكعبي يقول : فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد فإن الله حرم مكة ، لم يحرمها الناس ، وإنما أحلها لي ساعة من النهار أمس ، وأنها اليوم حرام ، كما حرمها أول مرة " .

                                                                                                                        38602 - وحدثني عبد الوارث قال : حدثني قاسم قال : حدثني أحمد بن زهير قال : حدثني أبي قال حدثني جرير ، عن منصور ، عن مجاهد عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاؤه " فقال العباس : إلا الإذخر ، فإنه لقبورهم وبيوتهم ، فقال : إلا الإذخر " .

                                                                                                                        [ ص: 37 ] 38603 - قال أبو عمر : هذا هو الصحيح والحقيقة ، لا المجاز ويشهد لذلك قول الله - عز وجل - : " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها " [ النمل : 91 ] .

                                                                                                                        38604 - وقد روي أنه حرمها على لسان إبراهيم ، وليس بالقوي .

                                                                                                                        38605 - وقال حدثني عبد الوارث قال : حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال : حدثني مصعب بن عبد الله قال : حدثني عبد العزيز بن أبي حازم ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن مسلم بن السائب ، عن عبد الرحمن مولى فكيهة قال : قال أبو هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن إبراهيم خليلك ونبيك ، وإنك حرمت مكة على لسان إبراهيم " .

                                                                                                                        . 38606 - وأما قوله : " وإني أحرم ما بين لابتيها " .

                                                                                                                        [ ص: 38 ] يعني المدينة فقد رواه أبو هريرة .




                                                                                                                        الخدمات العلمية