الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم النجاسة على ثلاثة أقسام : مغلظة ومخففة ومتوسطة ، وبدأ بأولها فقال ( وما نجس بملاقاة شيء من [ ص: 252 ] كلب ) سواء أكان بجزء منه أم من فضلاته ، أم بما تنجس بشيء منهما كأن ولغ في بول أو ماء كثير متغير بنجاسة ثم أصاب ذلك الذي ولغ فيه ثوبا ولو معضه من صيد أو غيره ، وسواء أكان جافا ولاقى رطبا أم عكسه ( غسل سبعا إحداهن ) في غير أرض ترابية ( بتراب ) ولو طينا رطبا كما أفتى به الغزالي لأنه تراب بالقوة ، ويكفي العدد المذكور بشرطه وإن تعدد الوالغ أو الولوغ أو لاقته نجاسة أخرى .

                                                                                                                            والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب } ، وفي رواية { أولاهن ، أو أخراهن بالتراب } وفي أخرى { وعفره الثامنة بالتراب } أي بأن تصاحب السابعة لرواية : السابعة بالتراب المعارضة لرواية أولاهن في محله فيتساقطان في تعيين محله ، ويكفي في واحدة من السبع كما في رواية { إحداهن بالبطحاء } على أنه لا تعارض لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل لعدم احتياجه بعد ذلك إلى تتريب ما يترشرش من جميع الغسلات ، ورواية : السابعة على الجواز ، ورواية إحداهن على الأجزاء وهو لا ينافي الجواز أيضا ، وقد أمر بالغسل من ولوغه بفمه وهو أطيب أجزائه فغيره من بوله وعرقه وروثه ونحوها أولى ، والغسلات المزيلة للعين تعد واحدة [ ص: 253 ] وإن كثرت وإنما حسب العدد المأمور به في الاستنجاء قبل زوال العين ، لأنه محل تخفيف وما هنا محل تغليظ ، فلا يقاس هذا بذاك .

                                                                                                                            ولو أكل لحم كلب لم يجب تسبيع دبره من خروجه وإن خرج بعينه قبل استحالته فيما يظهر ، وأفتى به البلقيني لأن الباطن محيل ، وقد أفتى الوالد رحمه الله في حمام غسل داخله كلب ولم يعهد تطهيره واستمر الناس على دخوله والاغتسال فيه مدة طويلة وانتشرت النجاسة إلى حصره وفوطه ونحوهما بأن ما تيقن إصابة شيء له من ذلك نجس وإلا فطاهر لأنا لا ننجس بالشك ، ويطهر الحمام بمرور الماء عليه سبع مرات إحداها بطفل مما يغتسل به فيه لحصول التتريب كما صرح به جماعة ، ولو مضت مدة يحتمل أنه مر عليه ذلك ولو بواسطة الطين الذي في نعال داخلية لم يحكم بالنجاسة لداخليه ، كما في الهرة إذا أكلت نجاسة وغابت غيبة يحتمل فيها طهارة فمها ( والأظهر تعين التراب ) ولو غبار رمل وإن عدم أو أفسد الثوب أو زاد في الغسلات فجعلها ثمانية مثلا ، لأن القصد به التطهير الوارد وهو لا يحصل بغير ما تقدم ، وقد نص في الحديث عليه فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم ، ولأنه غلظ في ذلك بالجمع بين جنسين فلا يكفي أحدهما كزنا البكر غلظ فيه بالجمع بين الجلد والتغريب فلم يكتف بأحدهما ، وخرج المزج بنحو أشنان وصابون ونخالة ودقيق ، وإنما لم يلحق بالتراب نحو الصابون وإن ساواه في كونه جامدا وفي الأمر به في التطهير لأنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يبطله ، ومقابل الأظهر لا يتعين ويقوم [ ص: 254 ] ما ذكر ونحوه مقامه ( و ) الأظهر ( أن الخنزير ككلب ) لأن الخنزير أسوأ حالا من الكلب ، لأن تحريمه منصوص عليه في القرآن ومتفق عليه ، وتحريم الكلب مجتهد فيه ومختلف فيه ، ولأنه لا يحل اقتناؤه بحال بخلاف الكلب ، ولأنه يندب قتله لا لضرورة ، والفرع المتولد منهما أو من أحدهما يتبع الأخس في النجاسة عملا بالقاعدة المتقدمة والثاني يكفي غسل ذلك مرة واحدة من غير تراب كسائر النجاسات لأن الوارد في الكلب وما ذكر لا يسمى كلبا ، ولو غمس المتنجس بما ذكر في ماء كثير راكد وحركه سبعا وتربه طهر ، وإن لم يحركه فواحدة ، ويفارق ما مر في انغماس المحدث من تقدير الترتيب بأن الترتيب صفة تابعة والعدد ذوات مقصودة فلا يقاس أحدهما بالآخر ، ويظهر في تحريكه أن الذهاب مرة والعود أخرى .

                                                                                                                            ويفرق بينه وبين ما يأتي في تحريك اليد في الحك في الصلاة بأن المدار ثم على العرف ، أو في جار وجرى عليه سبع جريات حسبت سبعا ولو ولغ كلب في إناء فيه ماء كثير ولم ينقص بولوغه عن قلتين لم ينجس الماء ولا الإناء وإن أصاب جرمه المستور بالماء ، وتكون كثرة الماء مانعة من تنجسه كما صرح به الإمام وغيره .

                                                                                                                            ولو ولغ في إناء فيه ماء قليل ثم بلغ قلتين طهر الماء لا الإناء ( ولا يكفي تراب ) [ ص: 255 ]

                                                                                                                            مستعمل في حدث أو نجس ، ولا ( نجس ) في الأصح ، بل لا بد أن يكون مما يصح التيمم به فلا يكفي التراب المحرق ولا المتنجس بعينية أو حكمية بواسطة أو غيرها ، والأوجه أنه يكفي هنا الرمل الذي له غبار وإن كان نديا ، والتراب ولو اختلط بنحو دقيق حيث كان لو مزج بالماء لاستهلكت أجزاء الدقيق ووصل التراب الممزوج بالماء إلى جميع المحل وإن لم يكف في التيمم لظهور الفارق ، ومقابل الأصح أنه يكفي كالدباغ بالشيء النجس ( ولا ) يكفي ( ممزوج بمائع ) كخل ( في الأصح ) إلا إذا مزجه بعد ذلك بماء ولم يفحش تغيره بنحو الخل ، ويكفي مزج التراب خارج الإناء المتنجس أو فيه سواء أصب الماء أولا أم التراب .

                                                                                                                            والضابط أن يعم محل النجاسة بأن يكون قدرا يقدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ، ويقوم مقام التتريب الماء الكدر كماء النيل أيام زيادته وكماء السيل المتترب ، ومقابل الأصح يكفي التراب الممزوج بالمائع لحصول المقصود بذلك .

                                                                                                                            وخرج بقولنا في غير أرض ترابية الترابية إذ لا معنى لتتريب التراب ، ويؤخذ منه أنه لا فرق بين التراب المستعمل وغيره فلا يجب تتريبه [ ص: 256 ] مطلقا ، بخلاف الأرض الحجرية والرملية التي لا غبار فيهما فلا بد من تتريبهما ، والمراد بالأرض الترابية ما فيها تراب ، ولو أصاب شيء منها ثوبا قبل تمام السبع اشترط في تطهيره تتريبه ، ولا يكون تبعا لها لانتفاء العلة فيها وهي أنه لا معنى لتتريب التراب ، وأيضا فالاستثناء معيار العموم ، ولم يستثنوا من تتريب النجاسة المغلظة إلا الأرض الترابية ، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو المعمول به المعول عليه وإن نسب إليه أنه أفتى قبله بخلافه .

                                                                                                                            نعم لو جمع التراب المتطاير وأراد تطهيره لم يحتج إلى تتريبه أخذا من العلة السابقة كما هو ظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : نجس ) بالضم والكسر كما في مصباح القرطبي ( قوله : بملاقاة شيء ) زاد حج : غير داخل ماء كثير كما اقتضاه كلام المجموع ا هـ وكتب عليه سم قوله : غير . إلخ توهم بعضهم من ذلك صحة الصلاة مع مس الداخل في الماء الكثير ، وهو خطأ لأنه ماس للنجاسة قطعا ، وغاية الأمر أن مصاحبة الماء الكثير مانعة من التنجيس ، ومس النجاسة في الصلاة مبطل لها وإن لم ينجس ، كما لو مس فرجه الداخل في الماء الكثير لا ينتقض وضوءه ، وهو خطأ لأنه ماس قطعا ، ويأتي ما يصرح بما قاله حج في قول الشارح وتكون كثرة الماء مانعة من تنجسه .

                                                                                                                            [ فرع ] لو وصل شيء من مغلظ وراء ما يجب غسله من الفرج فهل ينجسه فيتنجس ما وصل إليه كذكر [ ص: 252 ] المجامع أو لا ، لأن الباطل لا ينجسه ما لاقاه ، كل محتمل .

                                                                                                                            فعلى الثاني يستثنى هذا من المتن ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم ما نصه : قوله : فيتنجس إلخ .

                                                                                                                            أقول : أما أصل تنجس ما وصل إليه فلا ينبغي التوقف فيه ، لأن ذلك الغلظ الواصل إلى ما ذكر باق على نجاسته ، وملاقاة الظاهر كذكر المجامع للنجاسة في الباطن تقتضي التنجيس ، وليس كلامه في أصل التنجيس بدليل قوله فعلى الثاني إلخ ، وأما تنجسه بتنجس المغلظ فقد يدل على نفيه أنه لو أكل مغلظا ثم خرج منه لم يجب تسبيع المخرج .

                                                                                                                            وقد يقال ذاك إذا وصل لمحل الإحالة وهو المعدة فليتأمل ا هـ ( قوله : كأن ولغ في بول أو ماء كثير ) في التمثيل بهذين إشارة إلى أن النجس يقبل التنجيس وهل يقبل التطهير ؟ فيه ما مر عن شيخ الإسلام وغيره في قوله بخلاف النجس بعد قول المتن وميتة غير الآدمي إلخ ( قوله : متغير بنجاسة ) أو بطاهر للماء عنه غنى تغيرا كثيرا لما مر له أن ذلك كالمائع ينجس بمجرد الملاقاة ، وإنما قيد بالنجس لما قدمناه من الإشارة إلى أن النجس يقبل التنجيس ( قوله : ولو معضه ) غاية لقول المصنف وما نجس إلخ : أي ولو كان ما نجس معض الكلب ( قوله : إحداهن ) وفي نسخة إحداها ، وما في الأصل أولى لأن ما لا يعقل إن كان مسماه عشرة فما دون فالأكثر المطابقة ، وإن كان فوق ذلك فالأكثر الإفراد ، وقد جاء ذلك على قوله تعالى { إن عدة الشهور } الآية ، فأفرد في قوله منها لرجوعه للاثني عشر ، وجمع في قوله { فلا تظلموا فيهن } لرجوعه للأربعة ( قوله : كما أفتى به الغزالي ) ومعلوم أنه لا بد من مزجه بالماء كما يفيده { إحداهن بتراب } فإنه جعل المطهر الماء الممزوج بالتراب وإن كان التراب الذي مزج بالماء طينا رطبا ( قوله : بشرطه ) وهو امتزاجه بالتراب ( قوله : طهور إناء أحدكم ) هو بالضم والفتح والأول هنا أولى للإخبار عنه بالغسل الذي هو مصدر ، وأما بالفتح فيحتاج إلى تأويل الطهور بالمطهر أو تقدير مضاف نحو استعمال طهور إناء أحدكم المزيل للنجاسة أن يغسله إلخ .

                                                                                                                            وعبارة شرح مسلم للنووي الأشهر فيه ضم الطاء ، ويقال بفتحها فهما لغتان ( قوله : إذا ولغ فيه ) ولغ الكلب وغيره من السباع يلغ ولغا من باب نفع وولوغا شرب بلسانه وسقوط الواو كما في يقع ، وولغ يلغ : من باب ورث ووسع لغة ويولغ مثل وجل يوجل لغة أيضا ا هـ مصباح ( قوله : يصاحب السابعة ) أي فنزل التراب المصاحب السابعة منزلة الثامنة وسماه باسمها ( قوله : بالبطحاء ) المراد به التراب وأصله مسيل واسع فيه دقاق الحصى .

                                                                                                                            قال في المختار : الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، والجمع الأباطح والبطاح بالكسر ، والبطيحة والبطحاء كالأبطح ومنه بطحاء مكة ( قوله : المزيلة للعين ) هل المراد بالعين الجرم أو المراد بها ما يشمل الصفة ؟ الأوفق بقوله فيما يأتي تفسير العين وهي ما نجس إلخ الثاني ، ثم رأيت في كلام سم على شرح البهجة ما ذكر نقلا عن م ر ومثله على حج ، وعليه فلو [ ص: 253 ] غسل النجاسة المغلظة ووضع الماء ممزوجا بالتراب في الأولى ولم تزل به الأوصاف ثم ضم إليها غسلات أخرى وبحيث زالت الأوصاف بمجموعها فهل يعتد بما وضعه من التراب قبل زوال الأوصاف وعد كله غسلة صدق عليه أن التراب وجد في الأولى أولا لأنه لما لم تزل بما وضع فيه ألغى واعتد بما بعده فقط ، قال سم : فيه نظر .

                                                                                                                            أقول : ولا يبعد القول بالأول لما سبق من التعليل ، وخرج بالوصف الجرم فلا يعتد بوضع التراب قبل إزالته ، وسيأتي عن سم على حج أن مثل وضع التراب على الجرم وضعه على المحل بعد زوال الجرم ولكن مع بقاء الأوصاف ( قوله : في الاستنجاء ) أي بالحجر لأنه الذي يعتبر فيه عدد ( قوله : ولو أكل لحم كلب ) خرج به العظم فيجب التسبيع بخروجه من الدبر ولو على غير صورته ، وينبغي أن مثل اللحم العظم الرقيق الذي يؤكل عادة معه ، ولا عبرة بما تنجس به على ما اقتضاه تعليله حتى لو تقايأه بعد استحالته لم يجب التسبيع ، إلا أن يقال ما تحيله المعدة تلقيه إلى أسفل ، فما يتقايأه ليس من شأنه الاستحالة فيجب التسبيع وإن كان مستحيلا .

                                                                                                                            وعبارة شيخنا الزيادي : بخلاف ما لو تقايأه : أي اللحم فإنه يجب عليه تسبيع فمه مع التتريب ا هـ .

                                                                                                                            ومفهومه أنه لا يجب التتريب من القيء إذا استحال وهو ظاهر ، وما أفاده كلام شيخنا الزيادي من وجوب التسبيع إذا خرج من فمه غير مستحيل يفهمه قول الشارح لم يجب تسبيع دبره من خروجه ، حيث قيد بالخروج من الدبر ( قوله : محيل ) أي من شأنه الإحالة ( قوله : بطفل ) ومثله ما في نعال الداخلين كما يعلم من قوله الآتي : وبواسطة الطين الذي في نعال إلخ ( قوله : لداخلية ) أي أما هو فباق على نجاسته لتيقنها وعدم العلم بما يزيلها حتى لو صلى شخص فيه بلا حائل لم تصح صلاته ( قوله : وإن عدم ) أي التراب فلا يكون عدمه أو الزيادة في الغسلات مسقطا للتراب ، وعدم في كلامه مبني للمفعول ، وفي المختار : عدمت الشيء من باب طرب على غير قياس : أي فقدته ا هـ ( قوله : عليه ) أي التراب ( قوله : جنسين ) أي وهما الماء والتراب ( قوله : أشنان ) بضم الهمزة والكسر لغة معرب ا هـ مصباح ( قوله : وفي الأمر به في التطهير ) [ ص: 254 ] لعل المراد أنه إذا توقفت إزالة النجاسة على الصابون أو نحوه وجب ، وإلا فخصوص الصابون أو غيره لم يرد أمر بالتطهير به .

                                                                                                                            ( قوله : لا لضرورة ) أي فقتله بلا ضرر فيه دليل على أنه أسوأ حالا من الكلب ( قوله : فواحدة ) أي وإن طال مكثه ( قوله : على العرف ) أي على العرف في التحريك وهو بعد الذهاب والعود مرة وهنا على جري الماء ، والحاصل في العود غير الحاصل في الذهاب ، وكما اعتبر الذهاب والعود مرة في الصلاة اعتبر الماء كله شيئا واحدا فيما لو انغمس في ماء قليل محدث وحرك الماء مرات كثيرة فإنه لا يحكم عليه بالاستعمال لأن العرف لا يعد الثاني غير الأول ( قوله : وإن أصاب جرمه المستور بالماء ) خرج به ما لم يستره الماء من أعلى الإناء فإن تحقق مس الكلب له مع رطوبة من أحد الجانبين تنجس وإلا فلا سم على منهج بالمعنى ( قوله : مانعة من تنجسه ) ومثله ما لو لاقى بدنه شيئا من الكلب في ماء كثير فإنه لا ينجس لأن ما لاقاه من البلل المتصل بالكلب بعد الماء الكثير ، بخلاف ما لو أمسكه بيده وتحامل عليه بحيث لا يصر بينه وبين رجله إلا مجرد البلل فإنه ينجس لأن الماء الملاقي ليده الآن نجس ، وكتحامله عليه بيده ما لو علمنا تحامل الكلب على محل وقوفه كالحوض بحيث لا يصير بين رجليه ومقره حائل من الماء ( قوله : لا الإناء ) فإنه لا يطهر بمجرد بلوغ الماء قلتين ، بل إن ترب بأن مزج بالماء تراب يكدره وحرك فيه سبع مرات طهر وإلا فهو باق على نجاسته حتى لو نقص عن القلتين عاد على الماء بالتنجيس .

                                                                                                                            ( قوله : ولا يكفي تراب نجس ) قال في شرح الروض في قول الروض ممزوجا بالماء ما نصه : " قبل وضعهما على المحل أو بعده بأن يوضعا ولو مترتبين ثم يمزجا قبل الغسل وإن كان المحل رطبا إذ الطهور الوارد على المحل باق على طهوريته ، وبذلك جزم ابن الرفعة فيما لو وضع التراب أولا ، ومثله عكسه بلا ريب وهو مقتضى كلامهم وهو المعتمد كما قاله البلقيني وغيره إلخ .

                                                                                                                            وهذا الكلام كالصريح في أنه إذا كان المحل رطبا بالنجاسة كفى وضع التراب أولا ، لكن أفتى شيخنا الشهاب الرملي بأنه لو وضع التراب أولا على عين النجاسة لم يكف لتنجسه ، وظاهره المخالفة لما ذكر عن شرح الروض ووقع البحث في ذلك مع م ر .

                                                                                                                            وحاصل ما تحرر معه بالفهم أنه حيث كانت النجاسة عينية بأن يكون جرمها وأوصافها من طعم أو لون أو ريح موجودا في المحل لم يكف وضع التراب أولا عليها ، وهذا محمل ما أفتى به شيخنا ، بخلاف [ ص: 255 ] وضع الماء أولا لأنه أقوى بل هو المزيل وإنما التراب شرط ، وبخلاف ما لو زالت أوصافها فيكفي وضع التراب أولا وإن كان المحل نجسا ، وهذا يحمل عليه ما ذكره عن شرح الروض وأنها إذا كانت أوصافها في المحل من غير جرم وصب عليها ماء ممزوج بالتراب فإن زالت الأوصاف بتلك الغسلة حسبت وإلا فلا ، فالمراد بالعين في قولهم مزيل العين واحدة وإن تعدد ما يشمل أوصافها وإن لم يكن جرم ا هـ سم على حج ( قوله : مستعمل ) قال في شرح الروض : في حدث أو خبث ا هـ .

                                                                                                                            أقول : صورة المستعمل في خبث : التراب المصاحب للسابعة في المغلظة فإنه طاهر لكنه مستعمل .

                                                                                                                            لا يقال : إنما يظهر كونه مستعملا ، إن قلنا إنه شطر في طهارة المغلظة لا شرط .

                                                                                                                            لأنا نقول : بل هو مستعمل ، وإن قلنا شرط لأنه يتوقف عليه زوال النجاسة وإن كان شرطا فقد أدى به ما لا بد منه وإن لم يستقل بذلك كما أن الماء لا يستقل به أيضا ، بل ويتصور أيضا في المصاحف لغير السابعة إذا طهر لأنه نجس مستعمل ، فإذا طهر زال التنجيس دون الاستعمال .

                                                                                                                            أما إنه نجس فطاهر ، وأما أنه مستعمل فلأنه أدى به ما لا بد منه ، لأن طهارة المحل متوقفة على هذه الغسلة وإن توقفت على غيرها أيضا ، نعم لو طهر لغمسه في ماء كثير عاد طهورا كالماء المستعمل إذا صار كثيرا ، كذا قاله بعض مشايخنا وفيه نظر ، فليتأمل فيه فإن الوجه خلافه ا هـ قح .

                                                                                                                            أقول : وإنما كان الوجه خلافه لأن وصف التراب بالاستعمال باق وإن زالت النجاسة ، ويؤيده أن التراب لو كان في السابعة لم يتنجس وهو مع ذلك محكوم عليه بالاستعمال .

                                                                                                                            وفي قب يتجه أن يعد من المستعمل فلا يكفي ما لو استنجى بطين مستحجر ثم طهره من النجاسة ثم جففه ثم دقه لأنه أزال المانع ، كما أن ماء الاستنجاء كأن بال وجف البول ثم استنجى بالماء فإنه طاهر غير طهور لأنه أزال المانع وفاقا لم ر ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وقد يتوقف فيه بأنهم لم يعدوا حجر الاستنجاء من المطهرات ، ولعل وجهه أن المحل باق على نجاسته ، ومن ثم لو نزل المستجمر في ماء قليل نجسه أو حمله مصل لم تصح صلاته .

                                                                                                                            وقد يقال هو وإن لم يكن مطهرا للمحل لكنه مزيل للمانع فألحق بالتراب المستعمل في التيمم بذلك ، وهو مقتضى قوله في حدث أو نجس ( قوله : لظهور الفارق ) أي وهو أن نداوة الرمل ونحو الدقيق يمنعان من وصول التراب إلى العضو ولا يمنعان من كدورة الماء بالتراب التي هي المقصودة هنا ( قوله : خارج الإناء ) أي وهو أولى خروجا من الخلاف ا هـ حج ( قوله : سواء أصب الماء ) أي وسواء أكان المحل رطبا أو جافا ، لكن يستثنى من ذلك ما تقدم عن الشهاب الرملي من أنه لو وضع التراب أولا على عين النجاسة لم يكف .

                                                                                                                            ( قوله : إذ لا معنى لتتريب التراب ) أي ولا يصير التراب مستعملا بذلك لأنه لم يطهر شيئا ، وإنما سقط استعمال التراب فيه للعلة المذكورة ( قوله : وغيره ) أي ولو نجسا حيث قصد تطهيره لما علل به من أنه لا معنى لتتريب التراب [ ص: 256 ] قوله : بخلاف الأرض الحجرية ) ظاهره أنه إذا بال كلب على حجر عليه تراب ووصل بوله إلى الحجر لا يحتاج في تطهير الحجر إلى تتريب ، وقياس ما قاله قم فيما لو تطاير من الأرض الترابية شيء على ثوب أنه لا بد في تطهير الثوب إن أصابته رطوبة من التراب من غسل الرطوبة التي أصابته وتتريبه أنه لا بد في الحجر المذكور من غسله سبعا إحداها بالتراب .

                                                                                                                            وهو مقتضى التعليل بسقوط التتريب في الأرض الترابية بأنه لا معنى لتتريب التراب .

                                                                                                                            ونقل بالدرس عن سم على بهجة ما يصرح بذلك ( قوله : منها ) أي الأرض الترابية ( قوله : تتريبه ) أي تتريب ما أصاب المتطاير من الأرض فليس للمنتقل إليه في هذه حكم المنتقل عنه بالنسبة للتراب .

                                                                                                                            بخلاف المتطاير من غسلات الثوب مثلا فإن للمنتقل إليه حكم المنتقل عنه .

                                                                                                                            بقي ما لو ترب الأرض الترابية على خلاف ما أمر به ثم تطاير من غسالتها شيء فهل يجب تتريبه لعدم الاعتداد بالتراب المستعمل فيها قبل حيث لم يؤمر به أولا اكتفاء بوجود التتريب في الجملة وإن لم يكن مطلوبا فيه نظر .

                                                                                                                            والأقرب الثاني لوجود التراب فيدخل في عموم قولهم للمنتقل إليه حكم المنتقل عنه ( قوله : من العلة السابقة ) هي قوله : إذ لا معنى لتتريب التراب .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 252 - 253 ] قوله : لم يحكم بالنجاسة ) يعني لم يحكم بنجاسة ما أصابه كما في الهرة .

                                                                                                                            وفي نسخة : لم يحكم بالنجاسة بداخليه وهي الموافقة لما في فتاوى والده ( قوله : أو زاد في الغسالات فجعلها ثمانية ) أي ولا يقال : إن الثامنة تقوم مقام التراب [ ص: 254 ] قوله : ومتفق عليه ) المتفق عليه هو تحريم لحم الخنزير لا جملته كما يعلم مما قدمه آنفا ( قوله : يتبع الأخس ) لا معنى له في المتولد منهما فكان ينبغي إسقاط لفظ منهما . [ ص: 255 - 256 ] قوله : لانتفاء العلة فيها ) لفظ فيها وصف للعلة وليس متعلقا بانتفاء




                                                                                                                            الخدمات العلمية