الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال لمن حوله ألا تستمعون ( 25 ) قال ربكم ورب آبائكم الأولين ( 26 ) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( 27 ) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ( 28 ) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( 29 ) )

يعني تعالى ذكره بقوله ( قال لمن حوله ألا تستمعون ) قال فرعون لمن حوله من قومه : ألا تستمعون لما يقول موسى ، فأخبر موسى عليه السلام القوم بالجواب عن مسألة فرعون إياه وقيله له ( وما رب العالمين ) ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون ، وجوابه إياه عما سأله ، إذ قال لهم فرعون ( ألا تستمعون ) إلى قول موسى ، فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته ( ربكم ) الذي خلقكم ( ورب آبائكم الأولين ) فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك ، وأخبرهم عما يدعو إليه فرعون وقومه : ( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) يقول : إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولا لا نعرفه ولا نفهمه ، وإنما قال ذلك ونسب موسى عدو الله إلى الجنة ، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا رب غيره يعبد ، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة ، فقال موسى عند ذلك محتجا عليهم ، ومعرفهم ربهم بصفته وأدلته ، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون ، وأن الذي يعرفونه لآبائهم أربابا ملوك أخر ، كانوا قبل فرعون ، قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه ، ولذلك قال لهم فرعون : إنه مجنون ، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه ، وقوله : ( قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ) فمعناه : الذي أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما ، يعني ملك مشرق الشمس ومغربها ، وما بينهما من شيء لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لآبائكم فمضوا ، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها . ( إن كنتم تعقلون ) يقول : إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم ، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم ; فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق [ ص: 345 ] الواضح ، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر ، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته ، هو الملك الذي يملك الملوك . قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحق ، وتماديا في الغي لموسى : ( لئن اتخذت إلها غيري ) يقول : لئن أقررت بمعبود سواي ( لأجعلنك من المسجونين ) يقول : لأسجننك مع من في السجن من أهله .

التالي السابق


الخدمات العلمية