الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وكذب الذين من قبلهم من الأمم المتقدمة والقرون الخالية بما كذبوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وما بلغوا أي أهل مكة معشار أي عشر ما آتيناهم وقال قوم المعشار عشر العشر ولم يرتضه ابن عطية ، وقال الماوردي : المراد المبالغة في التقليل أي ما بلغوا أقل قليل مما آتينا أولئك المكذبين من طول الأعمار وقوة الأجسام وكثرة الأموال.

                                                                                                                                                                                                                                      فكذبوا أي أولئك المكذبون رسلي الذين أرسلتهم إليهم فكيف كان نكير أي إنكاري لهم بالتدمير، فليحذر هؤلاء من مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      والفاء الأولى سببية وكذب الأول نزل منزلة اللازم أي فعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه، ونظير ذلك أن يقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن هنا قالوا: إن كذبوا رسلي عطف على ( كذب الذين ) عطف المقيد على المطلق وهو تفسير معنى وما بلغوا اعتراض، والفاء الثانية فصيحة فيكون المعنى فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم، وجعل التدمير إنكارا تنزيلا للفعل منزلة القول كما في قوله. ونشتم بالأفعال لا بالتكلم، أو على نحو:


                                                                                                                                                                                                                                      تحية بينهم ضرب وجيع



                                                                                                                                                                                                                                      وجوز بعضهم أن يكون صيغة التفعيل في ( كذب الذين ) للتكثير وفي (كذبوا) للتعدية والمكذب فيهما واحد أي أنهم أكثروا الكذب وألفوه فصار سجية لهم حتى اجترءوا على تكذيب الرسل، وعلى الوجهين لا تكرار، وجوز أن يكون كذبوا رسلي [ ص: 154 ] منعطفا على ما بلغوا من تتمة الاعتراض، والضمير لأهل مكة يعني هؤلاء لم يبلغوا معشار ما آتينا أولئك المكذبين الأولين وفضلوهم في التكذيب لأن تكذيبهم لخاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام تكذيب لجميع الرسل عليهم السلام من وجهين، وعليه لا يتوهم تكرار كما لا يخفى، وكون جملة ما بلغوا معترضة هو الظاهر وجعل وكذب الذين من قبلهم تمهيدا لئلا تكون تلك الجملة كذلك يدفعه فكيف كان نكير لأن معناه للمكذبين الأولين البتة، فلا التئام دون القول بكونها معترضة، إرجاع ضمير بلغوا إلى أهل مكة والضمير المنصوب في آتيناهم إلى الذين من قبلهم وبيان الموصول بما سمعت هو المروي عن ابن عباس وقتادة وابن زيد ، وقيل الضمير الأول للذين من قبلهم والضمير الثاني لأهل مكة ، أي وما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى، وقيل: الضميران للذين من قبلهم، أي كذبوا وما بلغوا في شكر النعمة ومقابلة المنة عشر ما آتيناهم من النعم والإحسان إليهم، واستظهر ذلك أبو حيان معللا له بتناسق الضمائر حيث جعل ضمير فكذبوا للذين من قبلهم فلا تغفل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية