الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [23 - 32] كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر [ ص: 5601 ] فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

                                                                                                                                                                                                                                      كذبت ثمود بالنذر أي: بما أنذرهم به نبيهم صالح عليه السلام، فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أي: جنون، أو عناء. فهو اسم مفرد. وقيل: جمع سعير، كأنهم عكسوا عليه، فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على اتباعهم له.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري قالوا: أبشرا إنكارا لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر، وهم الملائكة. وقالوا منا لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى. وقالوا واحدا إنكارا لأن تتبع الأمة رجلا واحدا، أو أرادوا واحدا من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم أألقي الذكر عليه من بيننا يعنون: الوحي والنبوة، أي: وفينا من هو أحق بها على زعمهم، لكونه أعز مالا ونفرا بل هو كذاب أشر أي: متكبر، حمله كبره على استتباعنا له.

                                                                                                                                                                                                                                      سيعلمون غدا أي: عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة من الكذاب الأشر أي: المتكبر عن الحق، البطر له.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا مرسلو الناقة فتنة لهم أي: آية وحجة لصالح على قومه امتحانا لهم وابتلاء فارتقبهم أي: انتظرهم وتبصر ما هم صانعوه بها واصطبر أي: على دعوتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ونبئهم أن الماء أي: الذي يردونه لشرب مواشيهم قسمة بينهم أي: مقسوم بينهم، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم كل شرب محتضر أي: يحضره صاحبه في نوبته. و(الشرب) النصيب من الماء.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أشار تعالى إلى عتوهم عن أمر ربهم بقوله: فنادوا صاحبهم فتعاطى فتناول الناقة بيده فعقر أي: فعقرها وقتلها.

                                                                                                                                                                                                                                      فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر أي: كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه [ ص: 5602 ] من يعمل الحظيرة للغنم ونحوها، أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء. وقرئ بفتح الظاء، اسم مكان، أي: كهشيم الحظيرة، أو الشجر المتخذ لها. وهو تشبيه لإهلاكهم وإفنائهم، وأنهم بادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية، وخمدوا وهمدوا كما يهمد وييبس الزرع والنبات بعد خضرة ورقه وحسن نباته.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن زيد : كانت العرب يجعلون حظارا على الإبل والمواشي من يبس الشوك.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن سفيان : الهشيم، إذا ضربت الحظيرة بالعصا، تهشم ذاك الورق فيسقط، والعرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية