الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين ( 151 ) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( 152 ) قالوا إنما أنت من المسحرين ( 153 ) )

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود : لا تطيعوا أيها القوم أمر المسرفين على أنفسهم في تماديهم في معصية الله ، واجترائهم على سخطه ، وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون من ثمود الذين وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) يقول : الذين يسعون في أرض الله بمعاصيه ، ولا يصلحون ، يقول : ولا يصلحون أنفسهم بالعمل بطاعة الله .

وقوله : ( إنما أنت من المسحرين ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه إنما أنت من المسحورين .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : [ ص: 385 ] ( إنما أنت من المسحرين ) قال : من المسحورين .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إنما أنت من المسحرين ) قال : إنما أنت من المسحورين .

وقال آخرون : معناه : من المخلوقين .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد ، قال : ثنا موسى بن عمرو ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إنما أنت من المسحرين ) قال : من المخلوقين .

واختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، فكان بعض أهل البصرة يقول : كل من أكل من إنس أو دابة فهو مسحر ، وذلك لأن له سحرا يقري ما أكل فيه ، واستشهد على ذلك بقول لبيد :


فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر



وقال بعض نحويي الكوفيين نحو هذا ، غير أنه قال : أخذ من قولك : انتفخ سحرك : أي أنك تأكل الطعام والشراب ، فتسحر به وتعلل . وقال : معنى قول لبيد : " من هذا الأنام المسحر " : من هذا الأنام المعلل المخدوع . قال : ويروى أن السحر من ذلك ، لأنه كالخديعة . [ ص: 386 ]

والصواب من القول في ذلك عندي : القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه : إنما أنت من المخلوقين الذين يعللون بالطعام والشراب مثلنا ، ولست ربا ولا ملكا فنطيعك ، ونعلم أنك صادق فيما تقول . والمسحر : المفعل من السحرة ، وهو الذي له سحرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية