الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الإمساك تشبها بالصائمين .

                                                                                                                                                                        وهو من خواص رمضان ، كالكفارة ، فلا إمساك على متعد بالفطر في نذر أو قضاء . ثم من أمسك تشبها ، ليس في صوم ، بخلاف المحرم إذا أفسد إحرامه ، ويظهر أثره في أن المحرم لو ارتكب محظورا ، لزمه الفدية ، ولو ارتكب الممسك محظورا ، لا شيء عليه سوى الإثم .

                                                                                                                                                                        ثم الإمساك يجب على كل متعد بالفطر في رمضان ، سواء أكل أو ارتد ، أو نوى الخروج من الصوم وقلنا : يخرج . ويجب على من نسي النية من الليل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أقام المسافر أو برئ المريض اللذان يباح لهما الفطر في أثناء النهار ، فلهما ثلاثة أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يصبحا صائمين وداما عليه إلى زوال العذر ، فقد تقدم في الفصل السابق أن المذهب : لزوم إتمام الصوم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 372 ] الثاني : أن يزول بعدما أفطرا ، فلا يجب الإمساك ، لكن يستحب . فإن أكلا ، أخفياه لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان ، ولهما الجماع بعد زوال العذر إذا لم تكن المرأة صائمة ، بأن كانت صغيرة ، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                        وحكى صاحب " الحاوي " وجهين ، في أن المريض إذا أفطر ، ثم برئ ، هل يلزمه الإمساك ؟ قال : أوجبه البغداديون دون البصريين . والمذهب : ما قدمنا .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يصبحا غير ناويين ، ويزول العذر قبل أن يأكلا ، فإن قلنا في الحال الأول : يجوز الأكل ، فهنا أولى ، وإلا ، ففي لزوم الإمساك وجهان . الأصح : لا يلزم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا أصبح يوم الشك مفطرا ، ثم ثبت أنه من رمضان ، فقضاؤه واجب ، ويجب إمساكه على الأظهر .

                                                                                                                                                                        قال في " التتمة " : القولان ، فيما إذا بان أنه من رمضان قبل الأكل ، فإن بان بعده ، فإن قلنا : هناك لا يجب الإمساك ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان . أصحهما : الوجوب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا بلغ صبي ، أو أفاق مجنون ، أو أسلم كافر ، في أثناء يوم من رمضان ، فهل يلزمهم إمساك بقية النهار ؟فيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : لا ، والثاني : نعم ، والثالث : يلزم الكافر دونهما ، لتقصيره ، والرابع : يلزم الكافر والصبي ، لتقصيرهما دون المجنون . وهل يلزمهم قضاء اليوم الذي زال العذر في أثنائه ؟ .

                                                                                                                                                                        أما الصبي فينظر ، إن بلغ صائما ، فالصحيح : أنه يلزمه إتمامه ولا قضاء . [ ص: 373 ] فلو جامع بعد البلوغ فيه ، لزمته الكفارة . وفيه وجه حكي عن ابن سريج : أنه يستحب إتمامه ، ويجب القضاء ، لأنه لم ينو الفرض .

                                                                                                                                                                        وإن أصبح مفطرا ، فوجهان . وقيل : قولان . أصحهما : لا قضاء ، لعدم تمكنه ، والثاني : يلزمه القضاء ، كمن أدرك جزءا من وقت الصلاة .

                                                                                                                                                                        وأما المجنون إذا أفاق ، والكافر إذا أسلم ، فالمذهب : أنهما كالصبي المفطر ، فلا قضاء على الأصح .

                                                                                                                                                                        وقيل : يقضي الكافر دون المجنون ، وصححه صاحب " التهذيب " . قال الأصحاب : الخلاف في القضاء في هؤلاء الثلاثة ، متعلق بالخلاف في إمساكهم تشبها . ثم اختلفوا في كيفية تعلقه ، فقال الصيدلاني : من أوجب التشبه ، لم يوجب القضاء ، ومن يوجب القضاء ، لا يوجب التشبه .

                                                                                                                                                                        وقال غيره : من أوجب القضاء ، أوجب الإمساك ، ومن لا ، فلا . وقال آخرون : من أوجب الإمساك ، أوجب القضاء ، ومن لا ، فلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الحائض والنفساء ، إذا طهرتا في أثناء النهار ، المذهب : أنه لا يلزمهما الإمساك . ونقل الإمام الاتفاق عليه . وحكى صاحب " المعتمد " : طرد الخلاف فيهما .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية