الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 438 ] المسألة السابعة

              القول منه صلى الله عليه وسلم إذا قارنه الفعل ; فذلك أبلغ ما يكون في التأسي بالنسبة إلى المكلفين لأن فعله عليه الصلاة والسلام واقع على أزكى ما يمكن في وضع التكاليف ; فالاقتداء به في ذلك العمل في أعلى مراتب الصحة .

              بخلاف ما إذا لم يطابقه الفعل ; فإنه وإن كان القول يقتضي الصحة ; فذلك لا يدل على أفضلية ولا مفضولية .

              ومثاله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أأكذب لامرأتي ؟ قال : لا خير في الكذب قال : أفأعدها وأقول لها ؟ قال : لا جناح عليك ثم إنه لم يفعل مثل ما أجازه ، بل لما وعد عزم على أن لا يفعل ، وذلك حين شرب عند بعض أزواجه عسلا ; فقال له بعض أزواجه إني أجد منك [ ص: 439 ] ريح مغافير كأنه مما يتأذى من ريحه ; فحلف أن لا يشربه ، أو حرمه على نفسه ويرجع إلى الأول ; فقال الله له : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] وكان قادرا على أن يعد ويقول ، ولكنه عزم بيمين علقها على نفسه ، أو تحريم عقده ; حتى رده الله إلى تحلة الأيمان .

              وأيضا ; فلما قال للرجل الواهب لابنه : أشهد غيري كان ظاهرا في الإجازة ، ولما امتنع هو من الشهادة ; دل على مرجوحية مقتضى القول .

              [ ص: 440 ] وأمر عليه الصلاة والسلام حسان وغيره بإنشاد الشعر ، وأذن لهم فيه ، ومع ذلك ; فقد منعه عليه الصلاة والسلام ولم يعلمه ، وذلك يدل على [ ص: 441 ] مرجوحيته ولقوله : وما ينبغي له [ يس : 69 ] وقال لحسان : اهجهم وجبريل معك ; فهذا إذن في الهجاء ، ولم يذم عليه الصلاة والسلام أحدا بعيب فيه ، خلاف عيب الدين ، ولا هجا أحدا بمنثور ، كما لم يتأت له المنظوم أيضا ومن أوصافه عليه الصلاة والسلام أنه لم يكن عيابا ولا فحاشا ، وأذن لأقوام في أن يقولوا لمنافع كانت لهم في القول أو نضال عن الإسلام ، ولم [ ص: 442 ] يفعل هو شيئا من ذلك ، وإنما كان منه التورية ; كقوله : نحن من ماء ، وفي التوجه إلى الغزو ; فكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها ، فإذا كان كذلك ; فالاقتداء بالقول الذي مفهومه الإذن إذا تركه قصدا مما لا حرج فيه ، وإن تركه اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام أحسن لمن قدر على ذلك ، فمن أتى شيئا من ذلك ; فالتوسعة على وفق القول مبذولة ، وباب التيسير مفتوح ، والحمد لله .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية