الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4141 (21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

                                                                                              [ 2100 ] عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب يقول: اقتلوا الحيات والكلاب، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر، ويسقطان الحبل.

                                                                                              قال الزهري: ونرى ذلك من سميهما، والله أعلم.

                                                                                              قال عبد الله بن عمر: فلبثت لا أترك حية أراها إلا قتلتها، فبينا أنا أطارد حية يوما من ذوات البيوت مر بي زيد بن الخطاب أو أبو لبابة وأنا أطاردها فقال: مهلا يا عبد الله، فقلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلهن، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذوات البيوت.

                                                                                              وفي رواية قال: حتى رآني أبو لبابة بن عبد المنذر، وزيد بن الخطاب فقالا: إنه قد نهي عن ذوات البيوت.

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 121) والبخاري (3297 و 3298) ومسلم (2233) (128 و 129 و 130) وأبو داود (5252) وابن ماجه (3535).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (21 و 22) ومن باب قتل الحيات

                                                                                              قوله: ( اقتلوا الحيات ) هذا الأمر وما في معناه من باب الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات، فما كان منها متحقق الضرر وجبت المبادرة إلى قتله، كما قد أرشد إليه قوله: ( اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر; فإنهما يخطفان البصر، ويسقطان الحبل ) فخصهما بالذكر مع أنهما قد دخلا في العموم، [ ص: 531 ] ونبه على أن ذلك بسبب عظم ضررها، وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضا; لظاهر الأمر العام في هذا الحديث، وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ولأن نوع الحيات غالبه الضرر فيستصحب ذلك فيه، ولأنه كله مروع بصورته، وبما في النفوس من النفرة منه، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية) فشجع على قتلها. وقال فيما خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: (اقتلوا الحيات; فمن خاف ثأرهن فليس مني).

                                                                                              وأما ما كان منها في البيوت، فما كان بالمدينة فلا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام; لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منها شيئا فآذنوه ثلاثة أيام) وهل يختص ذلك الحكم بالمدينة ; لأنا لا نعلم هل أسلم من جن غير أهل المدينة أحد أم لا؟ وبه قال ابن نافع أو لا يختص؟ وينهى عن قتل جنان جميع البلاد حتى يؤذن ثلاثة أيام؟ وهو قول مالك ، وهو الأولى؛ لعموم نهيه عن قتل الجنان التي تكون في البيوت; ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم) وذكر فيهن الحية، ولأنا قد علمنا قطعا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغ الرسالة للنوعين، وأنه قد آمن به خلق كثير من النوعين; بحيث لا يحصرهم بلد، ولا يحيط بهم عدد.

                                                                                              والعجب من ابن نافع ; كأنه لم تكن له أذن سامع، وكأنه لم يسمع قوله تعالى: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين [ ص: 532 ] ولا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن وفد جن نصيبين أتوني ونعم الجن هم فسألوني الزاد...) الحديث. فهذه نصوص في أن من جن غير المدينة من أسلم فلا يقتل شيء منها حتى يحرج عليه، كما تقدم. فتفهم هذا العقد، وتمسك به؛ فهو الذي يجمع بين أحاديث هذا الباب المختلفة.

                                                                                              تفسير ما جاء في أحاديث الحيات من الغريب

                                                                                              الحيات: جمع حية، ويقال على الذكر والأنثى، كما قال:


                                                                                              ............ خشاش كرأس الحية المتوقد

                                                                                              وإنما دخلته الهاء لأنه واحد من جنس،
                                                                                              كبطة، ودجاجة; على أنه قد روي عن العرب: رأيت حيا على حية; أي: ذكرا على أنثى. والحيوت: ذكر الحيات، وأنشد الأصمعي:


                                                                                              ويأكل الحية والحيوتا



                                                                                              و( ذو الطفيتين ): ضرب من الحيات في ظهره خطان أبيضان، وعنهما عبر بالطفيتين. وأصل الطفية - بضم الطاء -: خوص المقل، فشبه الخط الذي على [ ص: 533 ] ظهر هذه الحية به، وربما قيل لهذه الحية: طفية; على معنى: ذات طفية، قال الشاعر:


                                                                                              ............ كما تذل الطفى من رقية الراقي

                                                                                              أي: ذوات الطفى. وقد يسمى الشيء باسم ما يجاوره. وقال الخليل في ذي الطفيتين: هي حية لينة خبيثة.

                                                                                              و( الأبتر ): الأفعى; سميت بذلك لقصر ذنبها. وذكر الأفعى: أفعوان. قال النضر بن شميل في الأبتر: إنه صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب.

                                                                                              و( يلتمسان ): يطلبان، هذا أصله، ومعناه هنا: يخطفان البصر، كما جاء في الرواية الأخرى. وقد روي: (يلتمعان) و(يطمسان) وكلها بمعنى واحد.

                                                                                              و( يتبعان ما في بطون النساء ) أي: يسقطان الحبل، كما جاء في الرواية الأخرى، وظاهر هذا أن هذين النوعين من الحيات لهما من الخاصية ما يكون عنهما ذلك، ولا يستبعد هذا، فقد حكى أبو الفرج الجوزي في كتابه المسمى بـ "كشف المشكل لما في الصحيحين": أن بعراق العجم أنواعا من الحيات يهلك الرائي لها بنفس رؤيتها، ومنها من يهلك المرور على طريقها، وذكر غير ذلك. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك بالترويع; لأن ذلك الترويع ليس خاصا [ ص: 534 ] بهذين النوعين، بل يعم جميع الحيات، فتذهب خصوصية هذا النوع بهذا الاعتناء العظيم، والتحذير الشديد، ثم: إن صح هذا في طرح الحبل، فلا يصح في ذهاب البصر، فإن الترويع لا يذهبه.




                                                                                              الخدمات العلمية