الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: استكبارا في الأرض بدل من نفورا وقال أبو حيان : الظاهر أنه مفعول من أجله، ونقل الأول عن الأخفش ، وقيل: هو حال، أي مستكبرين .

                                                                                                                                                                                                                                      ومكر السيئ هو الخداع الذي يرومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم والكيد له، وقال قتادة هو الشرك، وروى ذلك عن ابن جريج ، وهو عطف على استكبارا وأصل التركيب وإن مكروا السيئ على أن السيئ صفة لموصوف مقدر أي المكر المسيء، ثم أقيم المصدر مقام أن والفعل وأضيف إلى ما كان صفة، وجوز أن يكون [ ص: 206 ] عطفا على نفورا وقرأ الأعمش وحمزة «السيئ» بإسكان الهمزة في الوصل إجراء له مجرى الوقف أو لتوالي الحركات وإجراء المنفصل مجرى المتصل، وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن لما فيها من حذف الإعراب كما قال أبو جعفر ، وزعم محمد بن يزيد أن الحذف لا يجوز في نثر ولا شعر لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش قرأ بها، وقال: إنما كان يقف على هذه الكلمة فغلط من أدى عنه، والدليل على هذا أنها تمام الكلام ولذا لم يقرأ في نظيرها كذلك مع أن الحركة فيه أثقل لأنها ضمة بين كسرتين، والحق أنها ليست بلحن، وقد أكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والوصل بنية الوقف، وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرئ به فلا بد من جوازه ولا يجوز أن يقال لحن، ولعمري أن الإسكان هاهنا أحسن من الإسكان في بارئكم [البقرة: 54] كما في قراءة أبي عمرو ، وروي عن ابن كثير «ومكر السأي» بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة وهو مقلوب (السيئ) المخفف من السيئ كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجزون من حسن بسيء ولا يجزون من غلظ بلين



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود «مكرا سيئا» عطف نكرة على نكرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يحيق المكر السيئ أي لا يحيط إلا بأهله وقال الراغب : أي لا يصيب ولا ينزل، وأيا ما كان فهو إنما ورد فيما يكره، وزعم بعضهم أن أصل حاق حق فجيء بدل أحد المثلين بالألف نحو ذم وذام وزل وزال، وهذا من إرسال المثل ومن أمثال العرب : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا، وعن كعب أنه قال لابن عباس : قرأت في التوراة من حفر مغواة وقع فيها، قال: أنا وجدت ذلك في كتاب الله تعالى فقرأ الآية، وفي الخبر: «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله تعالى يقول ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول إنما بغيكم على أنفسكم » وقد حاق مكر هؤلاء بهم يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                                      والآية عامة على الصحيح والأمور بعواقبها، والله تعالى يمهل ولا يهمل، ووراء الدنيا الآخرة، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وبالجملة من مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك، أسأل الله تعالى بحرمة حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يدفع ويرفع عنا مكر الماكرين وأن يعاملهم في الدارين بعدله إنه سبحانه القوي المتين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ «ولا يحيق» بضم الياء «المكر السيئ» بالنصب على أنه يحيق من أحاق المتعدي وفاعله ضمير راجع إليه تعالى والمكر مفعوله.

                                                                                                                                                                                                                                      فهل ينظرون أي ما ينتظرون، وهو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع إلا سنت الأولين أي إلا سنة الله تعالى فيهم بتعذيب مكذبيهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فلن تجد لسنت الله تبديلا بأن يضع سبحانه موضع العذاب ولن تجد لسنت الله تحويلا بأن ينقل عذابه من المكذبين إلى غيرهم، والفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني، وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما، والخطاب عام أو خاص به عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية