الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن باب الإشارة الحمد لله فاطر السماوات والأرض إشارة إلى إيجاد عالمي اللطافة والكثافة، وإلى أن إيجاد عالم اللطافة مقدم على إيجاد عالم الكثافة، ويشير إلى ذلك ما شاع خلق الله تعالى الأرواح قبل الأبدان بأربعة آلاف سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      جاعل الملائكة رسلا في إيصال أوامره إلى من يشاء من عباده، أو وسائط تجري إرادته سبحانه في مخلوقاته على أيديهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع إشارة إلى اختلافهم في الاستعداد.

                                                                                                                                                                                                                                      يزيد في الخلق ما يشاء عام في الملك وغيره، وفسرت الزيادة بهبة استعداد رؤيته عز وجل للذين أحسنوا الحسنى وزيادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ما يفتح الله للناس من رحمة الزيادة المشار إليها وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده فيه إشارة إلى أن رحمته سبحانه سبقت غضبه عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك تسلية لحبيبه صلى الله عليه وسلم وإرشاد لورثته إلى الصبر على إيذاء أعدائهم لهم وتكذيبهم إياهم وإنكارهم عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها جرت سنته تعالى في إحياء الأرض بهذه الكيفية كذلك إذا أراد سبحانه إحياء أرض القلب فيرسل أولا رياح الإرادة فتثير سحاب المحبة ثم يأتي مطر الجود والعناية فينبت في القلب رياحين الروح وأزهار البسط ونوار الأنوار ويطيب العيش.

                                                                                                                                                                                                                                      من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إشارة إلى أن العزة الحقيقية لا تحصل بدون الفناء، ولا تغفل عن حديث: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» الخ.

                                                                                                                                                                                                                                      والله خلقكم من تراب وهو أبعد المخلوقات من الحضرة وأسفلها [ ص: 208 ] وأكثفها.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم من نطفة وفيها نوع ما من اللطافة ثم جعلكم أزواجا إشارة إلى ما حصل لهم من ازدواج الروح اللطيف العلوي والقالب الكثيف السفلي وهو مبدأ استعداد لوقوف على عوالم الغيب والشهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يستوي البحران قيل أي بحر العلم الوهبي وبحر العلم الكسبي هذا أي بحر العلم الوهبي عذب فرات سائغ شرابه لخلوه عن عوارض الشكوك والأوهام وهذا أي بحر العلم الكسبي ملح أجاج لما فيه من مشقة الفكر ومرارة الكسب وعروض الشكوك والتردد والاضطراب.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن كل تأكلون لحما طريا إشارات لطيفة تتغذون بها وتتقوون على الأعمال وتستخرجون حلية تلبسونها وهي الأخلاق الفاضلة والآداب الجميلة والأحوال المستحسنة التي تكسب صاحبها زينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وترى الفلك سفن الشريعة والطريقة فيه مواخر جارية.

                                                                                                                                                                                                                                      لتبتغوا من فضله بالوصول إلى حضرته عز وجل فعل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله في سائر شؤونكم، ومراتب الفقر متفاوتة، وكلما ازداد الإنسان قربا منه عز وجل ازداد فقره إليه لازدياد المحبة حينئذ، وكلما زاد العشق زاد فقر العاشق إلى المعشوق حتى يفنى.

                                                                                                                                                                                                                                      والله هو الغني الحميد فيه من البشارة ما فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      إنما يخشى الله من عباده العلماء أي العلماء به تعالى وبشؤونه فهم كلما ازدادوا علما ازدادوا خشية لما يظهر لهم من عظمته عز وجل، وأنهم بالنسبة إليه تعالى شأنه لا شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله قيل: الظالم لنفسه السالك، والمقتصد السالك المجذوب، والسابق المجذوب السالك، والسالك هو المتقرب، والمجذوب هو المقرب، والمجذوب السالك هو المستهلك في كمالات القرب الفاني عن نفسه الباقي بربه عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن حزن تخيل الهجر فلا حزن للعاشق أعظم من حزن تخيل هجر معشوقه له وجفوته إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      إن ربنا لغفور شكور فلا بدع إذا أذهب عنا ذلك وآمننا من القطيعة والهجران.

                                                                                                                                                                                                                                      الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب هو نصب الأبدان وتعبها من أعمال الطاعة للتقرب إليه سبحانه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يمسنا فيها لغوب هو لغوب القلوب واضطرابها من تخيل القطيعة والرد وهجر الحبيب، وقيل: لا يمسنا فيها نصب السعي في تحصيل أي أمر أردناه ولا يمسنا فيها لغوب تخيل ذهاب أي مطلوب حصلناه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أشاروا إلى أن كل ذلك من فضل الله تعالى والله عز وجل ذو الفضل العظيم، هذا ونسأل الله تعالى من فضله الحلو ما تنشق منه مرارة الحسود وينفطر به قلب كل عدو وينتعش فؤاد كل محب ودود.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية