الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع والعشرون : صفات الأنبياء - عليهم السلام -

          اعلم - وفقنا الله ، وإياك - أن صفات جميع الأنبياء - صلوات الله عليهم - من كمال الخلق ، وحسن الصورة ، وشرف النسب ، وحسن الخلق ، وجميع المحاسن ، هي هذه الصفة ، لأنها صفات الكمال . والكمال والتمام البشري والفضل الجميع لهم - صلوات الله عليهم - ، إذ رتبتهم أشرف الرتب ، ودرجاتهم أرفع الدرجات ، ولكن فضل الله بعضهم على بعض ، قال الله - تعالى - : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض [ البقرة : 253 ] . وقال : ولقد اخترناهم على علم على العالمين [ الدخان : 32 ] .

          وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر . ثم قال آخر الحديث : على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم - عليه السلام - ، طوله ستون ذراعا في السماء .

          وفي حديث أبي هريرة : رأيت موسى فإذا هو رجل ضرب ، رجل أقنى كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة ، كثير خيلان الوجه ، أحمر كأنما خرج من ديماس .

          وفي حديث آخر : مبطن مثل السيف ، قال : وأنا أشبه ولد إبراهيم به .

          وقال في حديث آخر في صفة موسى : كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال .

          وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه ، عنه - صلى الله عليه وسلم - : ما بعث الله - تعالى - من بعد لوط [ ص: 205 ] نبيا إلا في ذروة من قومه .

          ويروى : في ثروة ، أي كثرة ، ومنعة .

          وحكى الترمذي ، عن قتادة ، ورواه الدارقطني من حديث قتادة عن أنس : ما بعث الله تعالى نبيا حسن الوجه ، حسن الصوت ، وكان نبيكم أحسنهم وجها ، وأحسنهم صوتا - صلى الله عليه وسلم - .

          وفي حديث هرقل : وسألتك عن نسبه ، فذكرت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها .

          وقال - تعالى - في أيوب : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب [ ص : 44 ] .

          وقال - تعالى - : يايحيى خذ الكتاب بقوة [ مريم : 12 ] . وقال : أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [ آل عمران : 39 ] . وقال : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران [ آل عمران : 33 - 34 ] الآيتين .

          وقال في نوح : إنه كان عبدا شكورا [ الإسراء : 3 ] .

          وقال : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى إلى الصالحين [ آل عمران : 45 - 46 ] . وقال : إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت ‎وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ مريم : 30 - 31 ] . وقال : ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى [ الأحزاب : 69 ] الآية . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان موسى رجلا حييا ستيرا ما يرى من جسده شيء استحياء . الحديث .

          وقال - تعالى - عنه : فوهب لي ربي حكما [ الشعراء : 21 ] الآية .

          وقال في وصف جماعة منهم : إني لكم رسول أمين [ الدخان : 18 ] .

          وقال : إن خير من استأجرت القوي الأمين [ القصص : 26 ] .

          وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [ الأحقاف : 35 ] .

          وقال : ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا [ الأنعام : 84 ] إلى قوله فبهداهم اقتده [ الأنعام : 90 ] .

          فوصفهم بأوصاف جمة من الصلاح ، والهدى ، والاجتباء ، والحكم ، والنبوة .

          وقال : وبشروه بغلام عليم [ الذاريات : 28 ] . وقال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم إلى أمين [ الدخان : 17 - 18 ] .

          وقال : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .

          وقال في إسماعيل : إنه كان صادق الوعد [ مريم : 54 ] الآيتين . وفي موسى : إنه كان مخلصا [ ص: 206 ] [ مريم : 51 ] . وفي سليمان : نعم العبد إنه أواب [ ص : 30 ] الآية . وقال : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار - إلى - الأخيار . [ ص : 45 - 46 ] وفي داود : نعم العبد إنه أواب [ ص : 44 ] . ثم قال : وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب [ ص : 20 ] .

          وقال عن يوسف : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [ يوسف : 55 ] . وفي موسى : ستجدني إن شاء الله صابرا [ الكهف : 69 ] . وقال - تعالى - عن شعيب : ستجدني إن شاء الله من الصالحين ] [ القصص : 27 ]

          وقال : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت [ هود : 88 ] .

          وقال : ولوطا آتيناه حكما وعلما [ الأنبياء : 74 ] . وقال : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات [ الأنبياء : 90 ] . قال سفيان : هو الحزن الدائم في آي كثيرة ذكر فيها من خصالهم ، ومحاسن أخلاقهم الدالة على كمالهم . وجاء من ذلك في الأحاديث كثير ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : إنما الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي .

          وفي حديث أنس : وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ، ولا تنام قلوبهم .

          وروي أن سليمان كان مع ما أعطي من الملك لا يرفع بصره إلى السماء تخشعا ، وتواضعا لله - تعالى - . وكان يطعم الناس لذائذ الأطعمة ، ويأكل خبز الشعير .

          وأوحى الله إليه : يا رأس العابدين ، وابن محجة الزاهدين .

          وكانت العجوز تعترضه ، وهو على الريح في جنوده ، فيأمر الريح فتقف فينظر في حاجتها ، ويمضي
          .

          وقيل ليوسف : ما لك تجوع ، وأنت على خزائن الأرض ؟ قال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع .

          وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - عنه - صلى الله عليه وسلم - : خفف على داود القرآن فكان يأمر بدابته ، فتسرج ، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج ، ولا يأكل إلا من عمل يده .

          قال الله - تعالى - : وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد [ سبأ : 10 - 11 ] . وكان سأل ربه أن يرزقه عملا بيده يغنيه عن بيت المال .

          وقال - صلى الله عليه وسلم - : أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوما ، ويفطر يوما ، وكان [ ص: 207 ] يلبس الصوف ، ويفترش الشعر ، ويأكل خبز الشعير بالملح ، والرماد ، ويمزج شرابه بالدموع ، ولم ير ضاحكا بعد الخطيئة ، ولا شاخصا ببصره إلى السماء ، حياء من ربه ، ولم يزل باكيا حياته كلها .

          وقيل : بكى حتى نبت العشب من دموعه ، وحتى اتخذت الدموع في خده أخدودا .

          وقيل : كان يخرج متنكرا يتعرف سيرته ، فيستمع الثناء عليه ، فيزداد تواضعا .

          وقيل لعيسى - عليه السلام - : لو اتخذت حمارا . قال : أنا أكرم على الله من أن يشغلني بحمار . وكان يلبس الشعر ، ويأكل الشجر ، ولم يكن له بيت أينما أدركه النوم نام . وكان أحب الأسامي إليه أن يقال له مسكين .

          وقيل : إن موسى - عليه السلام - لما ورد ماء مدين كانت ترى خضرة البقل في بطنه من الهزال .

          وقال - عليه السلام - : لقد كان الأنبياء قبلي يبتلى أحدهم بالفقر ، والقمل ، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم .

          وقال عيسى - عليه السلام - لخنزير لقيه : اذهب بسلام . فقيل له في ذلك ، فقال : أكره أن أعود لساني المنطق بسوء .

          وقال مجاهد : كان طعام يحيى العشب . وكان يبكي من خشية الله حتى اتخذ الدمع مجرى في خده ، وكان يأكل مع الوحش لئلا يخالط الناس .

          وحكى الطبري عن وهب ، أن موسى كان يستظل بعريش ، ويأكل في نقرة من حجر ، ويكرع فيها إذا أراد أن يشرب كما تكرع الدابة ، تواضعا لله بما أكرمه الله به من كلامه . وأخبارهم في هذا كله مسطورة ، وصفاتهم في الكمال ، وجميل الأخلاق ، وحسن الصور ، والشمائل معروفة مشهورة ، فلا نطول بها ، ولا تلتفت إلى ما تجده في كتب بعض جهلة المؤرخين ، والمفسرين مما يخالف هذا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية