الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 39 ] مسألة : ومن عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم ; فإن تمادى على تلك الإساءة حوسب وجوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه ; وإن تاب عن ذلك سقط عنه ما عمل في شركه . ومن عمل في كفره أعمالا صالحة ثم أسلم جوزي في الجنة بما عمل من ذلك في شركه وإسلامه ; فإن لم يسلم جوزي بذلك في الدنيا ولم ينتفع بذلك في الآخرة .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حاتم بن ميمون وإبراهيم بن دينار واللفظ له قالا ثنا حجاج وهو ابن محمد - عن ابن جريج قال : أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس { أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن ، ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت : {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا } } فلم يسقط الله - عز وجل - تلك الأعمال السيئة إلا بالإيمان مع التوبة مع العمل الصالح . وبه إلى مسلم حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : { قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال - أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام } . وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : { قلنا يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ فقال من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر } . [ ص: 40 ] وبه إلى مسلم حدثنا حسن الحلواني ثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد ثنا عن صالح هو ابن كيسان - عن ابن شهاب أخبرنا عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم { : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما أسلفت من خير } . فإن ذكروا قول الله عز وجل : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } . وقوله عليه السلام لعمرو بن العاص { إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها وإن الحج يهدم ما كان قبله } . قلنا : إن كلامه عليه السلام لا يعارض كلامه ولا كلام ربه ، ولو كان ذلك - وقد أعاذ الله من هذا - لما كان بعضه أولى من بعض ولبطلت حجة كل أحد بما يتعلق به منه . وكذلك القرآن لا يعارض القرآن ولا السنة . قال عز وجل : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } فأما قوله تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } فنعم هذا هو نفس قولنا : إن من انتهى غفر له . وأما من لم ينته عنه فلم يقل الله تعالى أنه يغفره له ، فبطل تعلقهم بالآية . وأما قوله عليه السلام : { إن الإسلام يهدم ما كان قبله } فحق وهو قولنا ; لأن الإسلام اسم واقع على جميع الطاعات ، والتوبة من عمل السوء من الطاعات . وكذلك قوله عليه السلام في الهجرة إنما هي التوبة من كل ذنب ، كما صح عنه عليه السلام { المهاجر من هجر ما نهى الله عنه } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا محمد بن يوسف الفربري ثنا البخاري ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر [ ص: 41 ] وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين قالت { قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين ، فهل ذلك نافعه ؟ قال : لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين } . حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا إبراهيم بن محمد ثنا مسلم ثنا زهير بن حرب ثنا يزيد بن هارون ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيعطى بحساب ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية