الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 81 ] باب المجازاة

                                                                                                                                                                                                                      41- فأما قوله: (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) فإنما جزم الآخر لأنه جواب الأمر، وجواب الأمر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير "إن تفعلوا" أوف بعهدكم وقال في موضع آخر : (ذرونا نتبعكم) وقال: (فذرهم في خوضهم يلعبون) فلم يجعله جوابا، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال "ذرهم في حال لعبهم" وقال: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل) وليس من أجل الترك يكون ذلك، ولكن قد علم الله أنه يكون وجرى على الإعراب كأنه قال: "إن تركتهم ألهاهم الأمل" وهم كذلك تركهم أو لم يتركهم. كما أن بعض الكلام يعرب لفظه والمعنى على خلاف ذلك ، وكما أن بعضهم يقول: "كذب عليكم الحج".

                                                                                                                                                                                                                      فـ "الحج" مرفوع وإنما يريدون أن يأمروا بالحج. قال الشاعر: [ الخرز بن لوذان ] :


                                                                                                                                                                                                                      (49) كذب العتيق وماء شن بارد إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي

                                                                                                                                                                                                                      وقال: [ معقر بن حمار البارقي ] :


                                                                                                                                                                                                                      (50) وذبيانية توصي بنيها     ألا كذب القراطف والقروف

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 82 ] قال أبو عبد الله : "القراطف"، واحدها "قرطف": وهو كل ما له خمل من الثياب. و "القروف"، واحدها "قرف": وهو وعاء من جلود الإبل كانوا يغلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم". ويقولون "هذا جحر ضب خرب" والخرب هو الجحر. ويقولون: "هذا حب رماني". فيضيف الرمان إليه وإنما له الحب وهذا في الكلام كثير.

                                                                                                                                                                                                                      وقال: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) و : (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للأمر. وقد زعم قوم أن هذا إنما هو على "فليغفروا" و"قل لعبادي فليقولوا" وهذا لا يضمر كله يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا جاز قول الرجل: "يقم زيد"، وهو يريد "ليقم زيد". وهذه الكلمة أيضا أمثل لأنك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.

                                                                                                                                                                                                                      وقد زعموا أن اللام قد جاءت مضمرة، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                      (51) محمد تفد نفسك كل نفس     إذا ما خفت من شيء تبالا

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 83 ] يريد: "لتفد"، وهذا قبيح. وقال: "اتقى الله امرؤ فعل كذا وكذا" ومعناه: "ليتق الله". فاللفظ يجيء كثيرا مخالفا للمعنى. وهذا يدل عليه. قال الشاعر [ متمم بن نويرة ] في ضمير اللام:


                                                                                                                                                                                                                      (52) على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي     لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى

                                                                                                                                                                                                                      يريد "ليبك من بكى" فحذف وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام: [ لمعبد بن طوق العنبري ]:


                                                                                                                                                                                                                      (53) فيبك على المنجاب أضياف قفره     سروا وأسارى لم تفك قيودها

                                                                                                                                                                                                                      يريد: "فليبك" فحذف اللام.

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية