الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              12 [ ص: 501 ] 6 - باب : إطعام الطعام من الإسلام

                                                                                                                                                                                                                              12 - حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا الليث، عن يزيد عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". [28، 6236 - مسلم 39 - فتح: 1 \ 55]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              نا عمرو بن خالد قال: نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري هنا عن عمرو بن خالد، وبعده بأبواب في: الإيمان أيضا في باب: السلام من الإسلام عن قتيبة، وفي: الاستئذان في باب: السلام للصرفة وغير المعرفة عن ابن يوسف قالوا كلهم: نا الليث، عن يزيد به، وأخرجه مسلم هنا، عن قتيبة وابن رمح، عن يزيد به.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برجاله.

                                                                                                                                                                                                                              أما عبد الله بن عمرو والليث فتقدما.

                                                                                                                                                                                                                              وأما أبو الخير (ع) فهو: مرثد بن عبد الله اليزني -بفتح المثناة تحت ثم زاي ثم نون- المصري التابعي، ويزن: بطن من حمير. روى عن جمع [ ص: 502 ] من كبار الصحابة منهم: أبو أيوب، وعبد الله بن عمرو، وعنه خلق من التابعين منهم: يزيد بن أبي حبيب، وابن شماسة، ضبطه النووي بخطه بضم الشين.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن يونس: كان مفتي أهل مصر، وكان عبد العزيز بن مروان يحضره، فيجلسه للفتيا. مات سنة سبعين.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الراوي عنه فهو: الإمام البارع المتقن أبو رجاء يزيد (ع) بن أبي حبيب. واسم أبي حبيب: سويد المصري التابعي، مولى شريك بن الطفيل من الأزد، وقيل: غيره، وكان نوبيا من أهل دمقلة، سمع عبد الله بن الحارث بن جزء، وأبا الطفيل الصحابيين. وعنه الأعلام: سليمان التيمي وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن يونس: كان مفتي أهل مصر في زمانه، وكان حليما عاقلا، وهو أول من أظهر العلم والفقه والكلام بالحلال والحرام، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدثون في الفتن والملاحم، وكان يزيد أحد الثلاثة الذين جعل إليهم عمر بن عبد العزيز الفتوى بمصر.

                                                                                                                                                                                                                              قال الليث بن سعد: يزيد سيدنا وعالمنا، ولد سنة ثلاث وخمسين، ومات سنة ثمان وعشرين ومائة، وجلالته وإمامته وتوثيقه مجمع عليها.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الراوي عنه فهو أبو الحسن (خ ق) عمرو بن خالد بن فروخ بن سعيد بن عبد الرحمن بن واقد بن ثابت بن عبد الله الحراني. سكن مصر، [ ص: 503 ] روى عن الليث وغيره من الأعلام، وعنه البخاري وغيره من الأعلام، وروى ابن ماجه عن رجل عنه. قال: أبو حاتم صدوق.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن عبد الله: هو ثبت ثقة، مات بمصر سنة تسع وعشرين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الرواة أيضا عمرو بن خالد القرشي، انفرد عنه بالإخراج ابن ماجه وهو كذاب.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الإسناد كله مصريون أعلام وهو من لطائف الإسناد.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              في فقه الحديث، وقد سلف في الباب قبله. "وتطعم" بضم أوله; لأن ماضيه رباعي، وفيه: الحث على مكارم الأخلاق والجود، وخفض الجناح للمسلمين، والتواضع، ورؤية حرمات المؤمنين، وإفشاء شعار هذه الأمة وهو السلام، وأما الكافر فلا يبدأ بالسلام; للنهي عنه في "الصحيح"، كما ستعلمه في موضعه، وقيل: ليس شيء أجلب للمحبة وأثبت للمودة وأسل للسخائم، وأتقى للجرائم من إطعام الطعام، وإفشاء السلام.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 504 ] وأول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلم أن قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".

                                                                                                                                                                                                                              رواه عنه: عبد الله بن سلام، رواه الترمذي وصححه، وزاد ابن ماجه: "وصلوا الأرحام، وهذه عادة العرب الكرام ينعقد به عليكم العهد والذمام".

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              معنى "السلام عليكم" أي: لكم، أو اسم الله عليكم أو معكم.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة ثانية:

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو حاتم: تقول: اقرأ عليه السلام، وأقرئه الكتاب، ولا تقول: أقرئه السلام إلا في لغة سوء، إلا أن يكون مكتوبا، فتقول: أقرئه السلام أي: اجعله يقرؤه. وفي "الصحاح": وفلان قرأ عليك السلام، وأقرأك السلام بمعنى.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية